‫الرئيسية‬ مقالات النساء والتحول الديمقراطي
مقالات - 30/05/2011

النساء والتحول الديمقراطي

جمانة مرعي نصار

شكلت بداية العام 2011 بداية إهتزاز وسقوط للأنظمة الإستبدادية القمعية في المنطقة العربية وبداية مسار التحول والتغيير الديمقراطي حيث شكل نجاح الشعبان التونسي والمصري بكسر حواجز الخوف والسكوت على الظلم والقهر وإسقاط رموز الطغيان والدكتاتورية ، وبدأت تتسطر صفحة جديدة مشرقة لتاريخِ جديدِ للشعوب العربية نساءً ورجالاً مما يعطينا فسحة أمل لبداية تراكم مسار التغيير والإنتقال الديمقراطي.
إن الحراك الإجتماعي الممتد من المغرب الى اليمن مروراً بغالبية الدول العربية من اجل التغيير الديمقراطي، يدل على رغبة وإرادة الشعوب برسم مسار جديد للعيش على أساس الحريات الديمقراطية والنقابية وعلى إحترام حقوق الإنسان وتعزيز المساواة بين الجميع لا سيما بين الجنسين والعدالة الإجتماعية والتنمية العادلة ، مسار تكون فيه مشاركة المواطنين والمواطنات اساساً لبناء الوطن وشرطأً لتفعيل وقيام المواطنة.
وهنا لابد لنا من تثمين مشاركة النساء الفاعلة والفعلية في هذا الحراك من خلال نضالها السياسي والديمقراطي والإجتماعي لقضايا الوطن من موقع النضال النسوي، اكدن من خلالها على مواطنيتهن كشريكات في الثورة وفي بناء الوطن . لقد شكلت مشاركة النساء في كافة التحضيرات والتحركات والأنشطة ومن مختلف المواقع قيمة مضافة لهذا الحراك الإجتماعي من اجل التغيير الديمقراطي ، فقد نجحت النساء في التعبئة والتأطير على المستوى القاعدي وفي السير في مقدمة التظاهرات تنادي بالحريات والحقوق، وقادت تظاهرات خاصة بمطالب النساء ” النساء التونسيات هتفن : “الحريات الحريات ضرورة للمساواة “، كما قامت النساء بتقديم الدعم الضروري لتعزيز مقومات الصمود في ساحات التعبير والإعتصام . وقد امتازت النساء بقدرة كبيرة في تقديم الدعم والمساعدة للجميع دون اي تمييز ، ووقفن بصدورهن لمواجهة القمع والعنف والرصاص والقتل. فليس غريباً على النساء اللواتي اختبرن ألم ومرارة العنف والتمييز مواجهته بقوة وثبات وصمود.
وبحكم واقع وخصوصية قضايا النساء، بما هي قضايا عنف وتمييز ممارس ضدهن، وبحكم ما يقيد حياتهن من مفاهيم وموروثات وبنى إجتماعية ذكورية دون ان يفوتنا تأثير مفهوم الشرف السلطوي الذي يعطل مواطنيتها، لابد لنا من الإشارة الى ان كافة الأنظمة القمعية والتسلطية تعاملت مع مشاركة النساء بعنف وقمعتها بجرائم لا تخلو من العنف الجنسي. لا بل استخدم العنف الجنسي ضد النساء والتشهير بسمعتهن سلاحاً لقمع الحراك الديمقراطي: فقد رصدت في تونس في منطقتي تالة والقصرين حالات اغتصاب ضد النساء والفتيات من قبل رجال الأمن قبل تنحي الرئيس المخلوع . كذلك في ليبيا، شكلت ظاهرة العنف الجنسي ضد النساء والفتيات سلاحاً للقمع ، وهوجمت النساء اليمنيات واتهمن بسمعتهن جراء الإختلاط مع الرجال في ساحات الإعتصام، كذلك تعرضت النساء للتحرش وللمضايقة الجنسية في ميدان التحرير اثناء التظاهرة النسوية بمناسبة يوم المرأة العالمي…. الأمثلة كثيرة ولكنها كلها تؤكد مدى استعداد مجتمعاتنا للقيام بالتمييز والعنف ضد النساء والتشهير بسمعتهن جراء التصورات الخاطئة والمتخلفة أزاء النساء ، وكل هذه التصورات والإستعدادات تؤكد ان البنية الثقافية – الإجتماعية الذكورية- السائدة تشكل عائقاً أساسياً في بناء الديمقراطية ، وإن إسقاط الإنظمة الدكتاتورية والقمعية التي انتهكت حقوق الشعوب لا بد ان تتلازم مع محاربة كل اشكال السلطة الأبوية والذكورية التي تمعن بالتمييز والعنف ضد النساء والتي تجذر الأنظمة الديكتاتورية وتعيد آليات الإستبداد والقمع. هذه البنى الثقافية الإستبدادية لا يمكن تغييرها دون اعلاء الخطاب الديمقراطي والخطاب النسوي العلماني التحرري ومن خلال ثقافة المساواة على أساس الجنس بديل للثقافة الذكورية السائدة في مواجهة الخطابات الأصولية والتمييزية.

وإذا كانت مشاركة النساء مقبولة ومطلوبة ابان الثورات التي تتطلب جهود رجالها ونساءها على قدم المساواة ، فهل هذه المشاركة مقبولة تلقائياً في مرحلة بناء الدولة والنظام الديمقراطي؟ وإذا كانت النساء شريكات في الثورة هل يمكن لهن ان يكن شريكات في بناء الوطن؟ الدروس المستفادة من تجربة ثورتي تونس ومصر أكدت على اقصاء النساء بعد نجاح الثورة في إقصاء الدكتاتور، ففي مصر مثلاً، اقصيت النساء من المشاركة ضمن لجنة إعادة صياغة الدستور. وفي تونس الحركة النسوية مهددة بالإنقضاض على مكتسبات النساء بإعتبارها جزء من ارث النظام السابق وليست حقوق ومكتسبات تحققت للنساء بعد نضال طويل. إن إقصاء النساء عن الشراكة في التحول الديمقراطي وبناء الدولة الحديثة يدلل على مواطنة منقوصة للنساء وتغيير شكلي نحو الديمقراطية . ان شراكة النساء في بناء الوطن أساس للتقدم والحداثة وحق انتزعته النساء من خلال الشراكة في إنجاح الثورة . هذه الثورة، التي يجب ان تحمي وتعزز مكتسبات النساء وتعمل على تطويرها لإحقاق المساواة التامة والفعلية بين الجنسين. وعليه فإن ورشة إعادة بناء الوطن لا بد ان تبدأ من إلغاء كل أشكال التمييز ضد النساء في الدساتير والقوانين وفي كافة مجالات الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية العامة وصولاً الى قوانين الأحوال الشخصية التي تحكم النساء في الحيز الخاص.
وفي إطار هذا المسار التصاعدي للحراك الديمقراطي الذي ينمو ويتزايد يوماً بعد يوم، يبدو واضحاً اننا امام تحديات عديدة للحفاظ على هذه الإنجازات وصيانة وحماية الثورات ويشكل بناء القوى الديمقراطية الوطنية من اجل بناء الدولة المدنية الديمقراطية التحدي الأبرز فيها، هذه القوى التي ضعفت وقل تأثيرها واصابها الوهن والتراجع ، بالإضافة الى تحدٍ آخر هو انتساب النساء لهذه القوى الديمقراطية كجزء اساسي مكون لها وتنسيب قضايا النساء من ضمن قضايا الوطن وقضايا الحقوق والحريات العامة الوطنية ، وان تسهم النساء كمواطنات في إعادة بناء الدولة المدنية الحديثة دولة الحق والقانون دون اي تمييز. ان بناء الدولة الحديثة لا بد ان يقوم على اساس المساواة بين الجنسين في الحقوق والمسؤوليات .

ضمن هذا السياق في التحول الديمقراطي الذي تطمح اليه النساء وتعمل من اجل إحقاقه، ومن موقعنا كنسويات مناضلات من اجل الحريات الديمقراطية لا بد لنا من التأكيد على :
• ان التغيير والتحول الديمقراطي لا بد ان يقوم على اساس حقوق الإنسان والحريات العامة والعدالة الإجتماعية والتنمية العادلة وعلى إعتبار المساواة بين الرجال والنساء شرط اساسي لقيام وتحقيق التغييرالمنشود.
• ان النضال لتحقيق المساواة بين الجنسين هو جزء أساسي لا يتجزأ من النضال من اجل حقوق الإنسان والحريات والعدالة الإجتماعية والتنمية العادلة .كما ان النضال من اجل التغيير والإصلاح الديمقراطي وبناء الدولة الحديثة لابد ان يرتكز على المساواة في الحقوق والمسؤوليات وقسمة الأدوار بين الرجال والنساء . فلا ديمقراطية بدون حقوق النساء والمساواة بين الجنسين ولا مساواة بدون الديمقراطية والحريات.
• ان الدولة المدنية الحديثة ، دولة الحق والقانون والمساواة ، دولة المواطنة هي الإطار الفعلي والحقيقي للديمقراطية وللحقوق والحريات والعدالة الإجتماعية على اساس المساواة. ان الدولة المدنية الحديثة التي نطمح اليها يجب ان تقوم على أساس فصل الدين عن الدولة، وهي التي تكفل التعددية والتنوع ضمن المجتمع وتحمي كافة الخصوصيات، وتمكن النساء من ممارسة مواطنيتهن الكاملة والفعلية وتقر بقوانين الأحوال الشخصية الوضعية المدنية غير الدينية لتحقيق المساواة بين الجنسين.
• التغيير الديمقراطي يقتضي تلازم تغيير البنية والنظام السياسي الإستبدادي مع تغيير البنى الثقافية والإجتماعية الذكورية. إذ إن التغيير الديمقراطي وإسقاط الديكتاتوريات ومناهضة كافة أشكال التسلط والإستبداد لا يتحقق بدون تغيير السلطة والثقافة البطريركية والذكورية .
• إن نضال الحركة النسوية كحركة اجتماعية، مطلبية وتقدمية ومن ضمن الحركة الديمقراطية ، يجعلها ضاغطة وقادرة على التأثير والنهوض بأوضاع النساء وتراكم الإنجازات من اجل المساواة .
• كما ان التغيير والنهوض بأوضاع المرأة يجب ان ينطلق من رؤية تقدمية لقضية النساء تنتسب لأفكار تحررية وعلمانية ، لذلك وبالرغم من وجود مواثيق مدنية لحقوق الإنسان وبخاصة لحقوق النساء واهمها إتفاقية السيداو، نرصد تزايد عدد المنظمات النسوية التي تربط رؤيتها ومرجعيتها بالفكر الديني ، مما يشكل إنتكاسة كبيرة وعودة الى الوراء في مسألة حقوق النساء.
• ان مشاركة النساء في التغيير الديمقراطي ضرورة وهي تعبير عن المواطنة وحق للنساء ضمن الحقوق السياسية والدور السياسي ، إن مشاركة المرأة السياسية والعامة تساهم في كسر الصورة النمطية للنساء وللأدوار النمطية والتقليدية المحددة إجتماعياً لهن ، ومن خلال هذه المشاركة يمكن تنسيب قضية النساء للقضايا العامة وتنسيب النساء للنضال في عملية الحراك الديمقراطي والتغيير الإجتماعي.

بالعودة الى الواقع القائم والتحديات التي تواجهنا، فإذا كان التحدي الأكبر الذي يواجه القوى الديمقراطية هو بناء الحركة الديمقراطية، والذي تعنى به كافة مكونات المجتمع المدني , فإن التحدي الذي يواجه الحركة النسوية هو بناء موقعها ضمن الحركة الديمقراطية وهو مهمتها الأساسية الى حين بناء هذه الحركة الديمقراطية . أيضاً وبعد التأكيد على دور وأهمية تنامي مشاركة النساء في التغيير الديمقراطي، لا بد لنا من التأكيد على إستراتيجيات هذه المشاركة وعلى السياسات التي يمكن للنساء وللحركة النسوية من ممارستها والتي من شأنها ان تبني وتجذر موقع الحركة النسوية، ضمن الحركة الإجتماعية القادرة على التغيير الديمقراطي.هذه الإستراتيجيات ممكن ان تتمحور في ثلاثة مجالات او ميادين:
1. تطوير الخطاب والسجال النسوي في قضايا النساء
ان السجال بقضايا النساء ومشكلاتهن يجب ان تطرحه الحركة النسائية وتخاطب به كافة مكونات المجتمع المدني والسياسي . هنا، لا بد لنا من التأكيد على أهمية طرح كافة قضايا وحقوق النساء ضمن القضايا الوطنية والعامة المطروحة وفق رؤية حداثوية وعلمانية وتقدمية ودون أي مساومة على حقوق النساء والحريات، إن الحيز الخاص او في الحيز العام، والتشديد دائماً على ان حقوق النساء جزء اساسي لا يتجزأ من حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية وان المساواة بين الجنسين شرط لقيام الدولة المدنية الحديثة . يجب ان لا يغفل عن بالنا ابداً المطالب الخاصة بحقوق النساء والتي تشكل إستراتيجية قضايا النساء التي تضعها الحركة النسائية بأوسع مشاركة من المنظمات، وفي سياق التغيير الديمقراطي وبناء الدولة الحديثة، مدعوة الحركة النسوية للمطالبة مجدداً:
1. رفع جميع التحفظات عن إتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة ووضعها حيز النفاذ وإبرام البروتوكول الإختياري الملحق بها لتمكين النساء والرجال من الإنتفاع بأحكامها وممارسة الحقوق الواردة فيها.
2. تنزيه كافة الدساتير والقوانين من النصوص التي تمييز ضد النساء، بما فيها إستحداث قوانين مدنية للأحوال الشخصية على اساس المساواة وإقرار قوانين لتجريم العنف الأسري ضد النساء والفتيات، لما لهذه القضية من اهمية ودلالة وإعتراف بمواطنة النساء الكاملة.

2- بناء تحالفات وإئتلافات الحركة النسائية
ان بناء موقع للحركة النسوية ضمن الحركة الديمقراطية يتطلب بناء التحالفات والإئتلافات وبناء قنوات التواصل والإتصال مع القوى الديمقراطية والنقابية وقوى المجتمع المدني الحية، التي تشكل الضمانة والإستدامة لمكتسبات النساء . فالحركة النسوية لن تنجح لوحدها في النهوض بأوضاع النساء وتغيير الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي والقانوني الذي يحكم حياتهن، ان التغيير تقوم به الحركات الإجتماعية التي تشكل الحركة النسوية احدى روافدها وركائزها.
3. تطوير وسائل وآليات عمل الحركة
الحركة النسوية مطالبة، ايضاً، بتقوية عناصر وحدتها وتطوير وسائل وأساليب وآليات عملها. ان غياب الشابات عن الحركة النسوية ما زالت نقطة ضعف رئيسية تواجه الحركة النسوية، كذلك ضعف الشبكات النسوية ان على المستوى الوطني اوعلى المستوى توهن زخم هذه الحركة وتقلل من تأثيرها وأثرها لمناهضة العنف والقضاء على التمييز ضد النساء. كذلك ان عمل المنظمات النسوية يجب ان يتحول الى العمل التعبوي – التوعوي لجمهور وقاعدة النساء، للمدافعة عن حقوقهن والمناضلة لقضاياهن وقضايا الوطن، وان نعتمد إستراتيجيات المدافعة والعمل الضاغط للتأثير على المجتمع السياسي والسلطة السياسية لبلورة إرادة سياسية لتحقيق المساواة بين الجنسين.
في الختام معركتنا لبناء الديمقراطية بدأت وكلنا نساءً ورجالاً نستعيد حريتنا ونبني دولنا الديمقراطية . فالتحية لكل مناضلي ومناضلات التغيير الديمقراطي والإجلال لشهداء وشهيدات الحرية في الدول العربية.
الحرية والديمقراطية آتية والإستبداد الى زوال

المصدر: الحوار المتمدن-العدد: 3381 – 2011 / 5 / 30

 

‫شاهد أيضًا‬

الدراسة الوطنية حول تزويج الطفلات والأطفال في لبنان

خلفية عن الدراسة تهدف الدراسة إلى توفير فهم شامل ومحدث لتزويج الأطفال والطفلات في لبنان وت…