‫الرئيسية‬ الجنسية

الجنسية

 مقدمة

إن الدعوة إلى إحترام كرامة الإنسان وصيانة حقوقه دعوة متأصلة في كل الشرائع والنظم القانونية التي عرفتها البشرية ويستهل ميثاق الأمم المتحدة ديباجته بما يلي : نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية ..

تلى هذا الميثاق إعلانات وقرارات وإتفاقيات دولية لحماية حقوق الإنسان وحرياته، والتي أكدت بمعظمها على المساواة بين الجنسين كمبدأ أساسي من مبادىء حقوق الإنسان .

في السياق نفسه ،تم الإعتراف بالمواطنة التي تلخص بإنتماء الإنسان إلى وطن معترف به دوليا يتمتع فيه الفرد بكل حقوق المواطن التي تنص عليها الدساتير والشرائع ، كما ويلتزم بالواجبات التي تفرضها بمعنى إنها الإطار الذي يسمح للفرد التمتع بحقوقه المدنية والسياسية والإجتماعية ، وأن يشارك بفعالية في وضع القواعد التي تنظم وفقها الحياة الجماعية وهي تأكيد لمعايير أساسية هامة كالحرية والعدل والمساواة والتي بتحقيقها تتحقق كرامة المواطن \ الإنسان وأبرز قواعدها المساواة في الحقوق والواجبات.

إن الإفراز العملي لهذا الإنتماء وهذه العلاقة هو منح مواطني هذا البلد جنسيته وهي تشكل التنفيذ العملي لمواطنيته ، والتمييز بينهم وبين غيرهم من سكان البلد ،فالجنسية هي الرابط الأقوى بين الفرد والدولة بحيث يعطى الفرد حقوقا مدنية مثل :الإنتخاب ، الترشيح ، التنقل ، السكن ، جوازات السفر ، التملك والتوظيف………بمقابل إلزامه بدفع الضرائب والخدمة العسكرية والإلتزام بالقوانين السارية المفعول في البلد

سنحاول التعرف على أحكام قانون الجنسية اللبناني ورصد أبرز مظاهر التمييز ضد النساء فيه من خلال مقاربته بالصكوك الدولية وإستخلاص أبرز النتائج المترتبة جراء التمييز ضد النساء

* الجنسية في المواثيق الدولية

إن الجنسية هي الرباط القانوني والسياسي بين الفرد والدولة , أما إكتسابها أو منحها فهو رهن بسياسة هذه الدولة أو تلك , وهي تكتسب عبر : رباط الأرض _ رباط الدم _ رباط الزواج _ التجنس .

إعتبر الغرب في بداية القرن الماضي ،إن العائلة هي أساس وحدة المجتمع لا الفرد فكانت المساواة بين ممثلي العائلات من الرجال والنساء وهذه الدول التي كانت دولا متنازعة بدت أكثر مرونة ، بدليل تقاربها في أطر توحيدية ومنح جنسيتها للمرأة المتزوجة من شخص غير حامل لنفس جنسيتها ولأولادها ولمن ولد على أراضيها ولبعض الغرباء المقيمين بينما نرى أغلب الدول العربية تحرم النساء من هذا الحق في ظل الدولة الحديثة ولو كان الزوج عربيا وتتجه في معظمها إلى التشدد في منح الجنسية.

إحتلت مسألة المساواة بين الجنسين حيزا هاما في المسيرة الحقوقية للأمم المتحدة إذ نصت كل المواثيق والإعلانات الصادرة عنها مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في كافة المدايين , وجاءت إتفاقية السيداو بشكل خاص لتدرج كل الحقوق التي يقتضي العمل على إقرارارها بشكل متساو بين النساء والرجال ، لإن حقوق المرأة الإنسان هي حقوق عالمية وغير قابلة للتصرف ، وغير قابلة للتجزئة ، وهي حقوق مضمونة دوليا ومحمية قانونيا كما إنها ملزمة للدول .

صدرت الإتفاقية عام 1979 وإعتمدت كإطار دولي يضمن المساواة التامة بين المرأة والرجل دون تفرقة أو تقييد أو إستبعاد على أساس الجنس في جميع الميادين السياسية والإجتماعية والإقتصادية .

وبشأن الجنسية فقد أكدت المادة التاسعة من هذه الإتفاقية على حق المرأة في الإحتفاظ بجنسيتها لدى زواجها من أجنبي وبحقها إعطاء جنسيتها لزوجها ولاولادها :

1 _تمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل في إكتساب جنسيتها والإحتفاظ

بها وتغييرها ، وتضمن بوجه خاص ألا يترتب على الزواج من أجنبي أو تغيير جنسية

الزوج أثناء الزواج أن تتغير تلقائيا جنسية الزوجة أو أن تصبح بلا جنسية أو أن تفرض

عليها جنسية الزوج.

2_ تمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها

وقبل سيداو ، تناولت إتفاقيات دولية لمسألة الجنسية منها :

_ إتفاقية الجنسية لعام 1930 .

_ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 الذي أكد فيالمادة 15 منه على إن:

1. لكل فرد حق التمتع بجنسية ما.
2. لا يجوز، تعسفا، حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته.

_ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حيث نصت المادة 24 منه على إن

لكل طفل حق في اكتساب جنسية.

_ إتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 التي أكدت في المادة 7 على أن :

1 . يسجل الطفل بعد ولادته فورا ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية، ويكون له قدر الإمكان، الحق في معرفة والديه وتلقى رعايتهما.
2. تكفل الدول الأطراف إعمال هذه الحقوق وفقا لقانونها الوطني والتزاماتها بموجب الصكوك الدولية المتصلة بهذا الميدان ولاسيما حيثما يعتبر الطفل عديم الجنسية في حال

عدم القيام بذلك.

* الجنسية في التشريع اللبناني ؟

ينص الدستور اللبناني في مقدمته على إن لبنان عضو في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها كما ويؤكد في مادته السابعة على إن كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض العامة والواجبات دون فرق بينهم .

أما بالنسبة للجنسية ، فيتم تنظيمها في القرار رقم 15 الصادر بتاريخ 19 كانون الثاني

1925 المعدل بالقانون الصادر بتاريخ 11\1\1960 ويؤكد هذا القانون ما يلي :

1_حصر رابطة الدم بالأب ما يؤدي إلى عدم إمكانية المرأة اللبنانية منح جنسيتها لأولادها حيث يعد لبنانيا كل شخص مولود من أب لبناني ، كما يأخذ القانون اللبناني برباط الأرض حيث يعد لبنانيا من ولد في أراضي لبنان الكبير …

2 _ عدم إمكانية المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي منح جنسيتها لزوجها الأجنبي .

3_التمييز بين الأم اللبنانية الأصل والأم الأجنبية التي إكتسبت الجنسية اللبنانية لإن الزوجة الأجنبية التي تقترن بلبناني تصبح لبنانية بعد مرور سنة على تسجيل الزواج في قلم النفوس كما ويمكنها أن تمنح الجنسية اللبنانية المكتسبة لأولادها ، إذا بقيت على قيد الحياة بعد وفاة زوجها ،بل أكثر من ذلك إن المرأة اللبنانية التي فقدت بزواجها من أجنبي لجنسيتها اللبنانية لا تستطيع مجددا إكتساب هذه الجنسية إلا بشرطي ، موافقة الزوج الأجنبي والإقامة خمس سنوات متتالية في لبنان .

4_ليس للزوج الأجنبي المتزوج من إمرأة لبنانية حقوق متساوية في الحصول على الإقامة بينما تتمتع المتزوجة من لبناني بحقوق أوسع ،عندما تحصل بعد مرور عام على الجنسية اللبنانية فتكون إقامتها شرعية ، ولا يتطلب منها الإستحصال على إذن بالإقامة ،ويمكنها أن تعمل وتستفيد من الضمانات والإستحقاقات أسوة باللبنانيات .

تحفظ لبنان على المادة التاسعة من إتفاقية السيداو وأتت تبريرات المشترع اللبناني الذي صادق عليها عام 1996 أي بعد مرور 17عاما على إقرارها ناقصة لجهة التحفظات التي

أقرها المشترع لجهة المواد المتحفظ عليها وهي المواد 9\ 16\ و29

أما التبرير لجهة المادة التاسعة الخاصة بالجنسية ، فمرده حسب ملاحظات ممثلة لبنان أثناء عرض تقرير لبنان على لجنة سيداو ، بحيث أشارت إلى إن اللبنانيين لا يخضعون لقانون الأحوال الشخصية نفسه ،بل يخضع كل منهم لقوانين الأحوال الشخصية والمحاكم التابعة لإحدى طوائف لبنان 18 المعترف بها التي تنظم قضايا كالزواج والوضع العائلي والإرث. فقد إضطلعت التعددية الدينية بدور رئيسي ، لا في دستور الشعب اللبناني فحسب بل أيضا في إنشاء الدولة اللبنانية وهي لا تزال إلى جانب عوامل إقتصادية وسياسية أخرى تضطلع بدور بالغ الأهمية .

أبدت لجنة سيداو القلق بشأن عدم رغبة لبنان سحب تحفظه على الفقرة 2 من المادة التاسعة وأكدت إن ما يثير القلق ، التأكيد بإن لبنان ليس بوسعه تعديل قانون الجنسية الساري المفعول لأسباب سياسية وهي ترى إن التحفظ يناقض الغرض من الإتفاقية .

* نتائج التمييز ضد المرأة

إن التبريرات التي تقدمها الدولة اللبنانية بشأن تحفظها على المادة التاسعة من سيداو هي أساسية وحقيقية ، يرافقها مخاوف من موضوع الخلل الديمغرافي إلى جانب إدراج لبنان سياسة منع توطين الفلسطينيين تماشيا مع التوجه العام للبنانيين بهذا الخصوص .

ولكن بمقابل أي تبريرأو سياسة أو دفاع فإن عدم قدرة المرأة اللبنانية على منح جنسيتها لزوجها وأولادها ،هو تمييزضدها وإنتهاك لحقها بالمساواة ويحرمها من حقوقها الأساسية كمواطنة ….كما يسلب أبناءها حقوقهم الأساسية كبشر وينجم عن ذلك آثار سيئة متعددة تتحملها العائلة من مشاكل قانونية وأزمات إقتصادية إلى آثار نفسية وإجتماعية تتمثل بما يلي :

_ تضييق وحرمان من التمتع بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية ، لجهة العمل ( محدودية الوظائف الي يمكن شغلها ، الرضوخ لضغط أرباب العمل ، الأجور المتدنية …) التعليم

( نفقات التعليم المرتفعة ، محدودية الإختصاصات التي يمكن إختيارها …..) والطبابة

( النفقات المرهقة للإستشفاء في لبنان ….)

_ الـتكلفة المادية المرهقة نتيجة التشدد في ضرورة تجديد الإقامة والأوراق الرسمية كل عام .

_حرمان من التمتع بالحقوق المدنية والسياسية كالملكية ،الإرث،الإنتخاب، الترشيح..

_ حرمان من الشعور بالمواطنية والإنتماء إلى البلد الذي يعيش فيه الأولاد والزوج .

_ إنتقاص من مواطنية المرأة , لإقتصار رابطة الدم معيارا لإكتساب الجنسية على الأب .

_ الحرمان من الحماية القانونية …

_ المشاكل النفسية التي تلحق بالأسرة لناحية القلق على مستقبل العائلة ؟المصير الذي ينتظر الأولاد ؟ الشعور بعدم الإنتماء ؟ الخوف من أي حادث أمني يتعرض له أحد الأولاد وربما تكون النتيجة قرار بإبعاد هذا الشخص إلى وطن أبيه ؟ فالأسرة هي أداة تكوين الفرد ،وهي مصدر التواصل والإستقرار له ، وهي تلازمه منذ المراحل الأولى لحياته وعليها يقع واجب التربية الخلقية والوجدانية ،والأم هي المتصدي الأول للتوتر داخل الأسرة ، التي تبعث القيم الثقافية والإجتماعية فهي تقدم السند العاطفي لزوجها ولأولادها وتبعث الطمأنينة لأولادها في وجه المشاكل التي يعانون منها ,أما المجتمع فهو يتألف من مجموع الأسر الممتدة , وأركانها الأم , الأب و الأطفال.

ما هو المطلوب ؟

إنسجاما مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي أكدت الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الفرد وقدره وبتساوي الرجل والمرأة في الحقوق وإلتزمت مبدأ عدم جواز التمييز، حيث أعلنت إن جميع الناس يولدون أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق وإن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة في الإعلان المذكور دون أي تمييز بما في ذلك التمييز القائم على الجنس .

فالتمييز ضد المرأة يشكل انتهاكا لمبدأي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان ، وهي مبادىء اساسية أكدت عليه المواثيق الدولية كما ويعد عقبة أمام مشاركة المرأة ، على قدم المساواة مع الرجل في حياة بلدهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، ويعوق نمو رخاء المجتمع والأسرة ، ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة لإمكانات المرأة في خدمة بلدها والبشرية .

وإنسجاما مع إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، لا سيما المواد 1 و2 و9 يقتضي على الدولة اللبنانية :

_ رفع تحفظها عن المادة التاسعة من إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة .

_ تعديل قانون الجنسية اللبناني بحيث تصبح المادة الأولى منه :

يعد لبنانيا من ولد لأب أو أم لبنانية

في هذا السياق نشطت في لبنان وفي العديد من الدول العربية حملات ضغط لتعديل قانون الجنسية بإتجاه المساوة كما وأجريت العيد من الدراسات بهدف تسليط الضوء على عمق الإنتهاكات ومدى المعاناة الإنسانسة التي تطال شرائح المجتمع المختلفة كنتيجة مباشرة لإنكار الحق بالجنسية ، وتفاقم المشاكل في حالات الطلاق وغياب الزوج أو في حال وفاته …

اترك تعليقاً