‫الرئيسية‬ أخبار حملة الـ16 يوماً لمناهضة العنف ضد النساء في ظل ثورة 17 تشرين
أخبار - مقالات - 04/12/2019

حملة الـ16 يوماً لمناهضة العنف ضد النساء في ظل ثورة 17 تشرين

د.كارولين سكر صليبي

تزامناً مع حملة الـ16 يوماً لمناهضة العنف ضد النساء الممتدة من اليوم العالمي لمناهضة العنف إلى اليوم العالمي لحقوق الإنسان، التي تقدم في كل عام موضوعاً جديداً يركز على مجال واحد من مجالات عدم المساواة بين الجنسين لتوجيه الإنتباه إليه، وتماشياً مع شعار الحملة لعام 2019، “جيل المساواة ضد الاغتصاب”، نقدم قراءة للعنف ضد النساء في هذا المجال على ضوء الثورة التي تناضل من أجل حقوق الإنسان في لبنان.

تحت مظلة هذه الحملة العالمية التي تحتفل بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين لإعلان بيجينغ ومنهاج عمله، ستكمل النساء في كل مكان ثورتهن الواعدة بمستقبل لا يقبل بمساواة مجتزأة ولا مشروطة، ولا بدولة تمنح الحقوق لتلميع صورتها بل لأنها مؤمنة كل الإيمان بالمرأة بإنها إنسان ومن حقها التمتع بالمساواة وبالحماية والوقاية من كل أشكال العنف ضدها.

وبما أن شعار العام هو محاربة الإغتصاب، سنركز على هذا المحور ونحلل بعض مظاهره وأنواعه وإشكالياته في لبنان من خلال ثلاثة مكونات أساسية:

  • لم يعرّف قانون العقوبات العنف الجنسي ولم يعدد جرائم هذا العنف. أما بالنسبة إلى الإغتصاب فلم يعتبر المشرّع اللبناني الإغتصاب الزوجي بمثابة إغتصاب، بل اعتبرت بعض المراجع السياسية والدينية، أنّ الجماع هو من حقوق الزوج على زوجته، وأنه لا يجوز تجريم الرجل في معرض ممارسة حقه الزوجي، مستندة إلى “افتراض الرضى” عند موافقة الزوجة على عقد الزواج. تالياً لا يحق للمرأة أن ترفض العلاقة الجنسية مع زوجها. هذا نوع من تشويه الواقع الحقيقي لأن الإغتصاب أينما حصل لا يتغير اسمه ولا أثره، فتأثيره مدمر ويمتد لعقود وأجيال على الضحية.

ميّز قانون العقوبات في لبنان بين إغتصاب الزوج وإغتصاب غير الزوج، فالأول مشرّع، فيما الثاني هو جريمة يعاقب عليها القانون.

تنص المادة 503 على ما يأتي: “من أكره غير زوجه بالعنف والتهديد على الجماع عوقب”. هذا يعني أن القانون يسمح بالإكراه والتهديد في العلاقة الجنسية الزوجية، ويقر بهما، ويعاقب فقط الإكراه والتهديد بالعلاقة الجنسية خارج إطار الزواج.

هذه المادة مهينة للمرأة الزوجة وتكشف عن الثقافة الذكورية التي نعيشها في مجتمعنا. الأخطر من ذلك، أن الأسرة، باعتبارها المؤسَّسة الاجتماعية الأولى، تندرج بين المؤسَّسات التي يُمارَس فيها العنف الجنسي ضدّ النساء، وتتم فيها سياسة التعتيم والسكوت عن خطورته وآثاره المدمرة على المرأة، باعتباره شأناً خاصاً بأفراد الأسرة، ولا دخل للآخرين فيه. لا يتم الإبلاغ عن هذا العنف الجنسي، حتى وإن عانت النساء منه. نتنكر له ولا نقدم حماية لضحاياه، وهذا ما يبقي النساء في حالة خوف وفي موقع التبعية والإستغلال.

والحال هذه، من قال إن الإغتصاب الزوجي ليس إغتصاباً؟ ومن قال إنه لا يتسبب بمشاعر سلبية أليمة، مثل الحزن والخوف والإكتئاب والقلق والإحساس بالإهانة والإنكسار وكراهية الجسد؟ ومن قال إنه ليس خرقاً لحرمة جسد المرأة وانتهاكاً لكرامتها الإنسانية، وطعناً واستهتاراً بإرادتها، أكان حاصلاً مع الزوجة أو غير الزوجة؟!

  • يتساهل القانون العقوبات مع المغتصب في حال عقد زواج بين المغتصب والضحية في سن المراهقة مثلاً: تنص المادة 505 من قانون العقوبات “من جامع قاصراً أتم الخامسة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة عوقب بالحبس من شهرين إلى سنتين، وفي هذه الحالة إذا عقد زواج صحيح بينهما توقفت الملاحقة أو المحاكم”.

تركُ الجناة من دون عقاب، أو تقليل أثر هذه الجريمة، يساهم في نشر ثقافة العنف الجنسي، باعتباره امراً طبيعياً، فنصبح جزءًا من ثقافة تسمح باستمرار الإغتصاب من خلال الكلمات والأعمال؛ ومن خلال القوانين التمييزية أو التساهل تجاه الجناة أو من خلال وسائل الإعلام التي نتابعها، والنكات التي نضحك عليها، على رغم أن أصوات النسويات والناشطات والناجيات في السنوات الأخيرة أصبحت واضحة جلية ولا يمكن إسكاتها أو تجاهلها.

من واجب المجتمع ومؤسسات الدولة مؤازرة الضحايا ومناصرتهن، عن طريق مساندتهنَّ والوقوف بجانبهنَّ، توثيق الاعتداءات عليهن بهدف إشعار الرأي العام بقضيتهنَّ، وحضّ المواطنين والمسؤولين ومنظَّمات المجتمع المدني على التحرك معاً من أجل مساءلة مؤسَّستَي القانون والقضاء، وتمكين النساء الضحايا للإفصاح عن واقعهنَّ بكلّ جرأة، والتمسّك بحقهنّ، وبتطبيق العدالة، والأهم من من كل ذلك كَسر الصمت الذي يلف هذه الظاهرة، والقضاء على هذه التابوهات الاجتماعية.

3 – إغتصاب الدولة لحقوق المرأة في الحياة السياسية

إذا حللنا المسار التاريخي لأحوال النساء في أبعادها المدنية والسياسية والإقتصادية الإجتماعية، نجد أن الدولة اللبنانية لم تقدم أي مبادرة لتسهيل دخول المرأة إلى المعترك السياسي أسوةً بدول الجوار. فلماذا مارس بلدنا على فترة زمنية طويلة المدى، المحاصصة في المواقع السياسية، مستثنياً النساء من هذه المحاصصة؟ ولماذا تتعنت السلطة بإقصاء النساء عن السياسة منذ إعلان استقلال لبنان مع تصاعد مستمر للتحديات، وصعود تيارات محافظة تسعى للنيل من موقع النساء وتهميشهن وتحجيم دورهن وإقصائهنّ عن ممارسة مواطنيتهنّ. نتساءل هل هذا موقف، يعبر عن إرادة سياسية، أم أن الرجال قوّامون على الحياة السياسية في لبنان ولا يريدون التنازل عن عرش إستولوا عليه على مر الزمن؟

لم يعد ممكناً في الوقت الراهن الحديث عن التحولات الإجتماعية والسياسية وتجاهل موقع النساء في مسارات التحوّل، بحكم التطورات الحاصلة في شأن أدوار النساء داخل المجتمع. فقد أصبحت قضايا المساواة ركيزة أساسية من ركائز الإصلاح والنمو الاقتصادي والديموقراطية والعدالة الإجتماعية.

كذلك يستحيل الكلام عن هذه الركائز عند إقصاء النساء على المستوى المجتمعي في عمليات صنع القرار وتغييب الطاقة النسائية في إطار وضع السياسات التي تحدد الخدمات ومكانها وطريقة تقديمها.

فالتحدي الأول في عملية التنمية المجتمعية يكمن في وقف حجب الطاقات النسائية، والالتفات أهمية مردوديتها في هذه العملية التنموية. لذلك نحن بحاجة الى معالجة راديكالية لادماج عملية التنمية بفكر حقوقي ديموقراطي من منطلق العدالة الاجتماعية والمواطنة الحقيقية.

تبدو عملية التعرف على الأدوار مهمة جداً لدراسة ثقافة المجتمع وعناصر الثبات والتغيير فيه. فمعرفة من يقوم بماذا، ومن لديه ماذا، تصبح ضرورية لتحديد أطر الاحتياجات العملية والاستراتيجية للرجال والنساء التي تذهب في إتجاه مفهومين أساسيين في مسار التنمية والنوع الاجتماعي وحصة النساء في الموازنات والتقديمات والرعاية وحثهن على المشاركة في كل الميادين الحياتية .

النساء الثائرات تجاوزن كل أنواع التنميط والنظرة التاريخية إلى دورهن. فقد ظهرن بمظهر آخر بعد ثورة 17 تشرين الأول، وكأن موازين القوى انقلبت بعد هذا التاريخ فأصبحنا نسمع تاء التأنيث على كل لسان وفي كل خطاب، أكان ذلك عند السياسيين أو الثوار. تم الإعتراف بدور النساء الثائرات لأنهن كن شعلة الثورة ولأنهن أطفأن في الوقت عينه شرارة الصراعات العنيفة وشكلن درعاً بشرية فصلت بين المتنازعين في الشوارع، وقدمن أفكاراً وأعمالا فنية مبدعة، وقدن المسيرات السلمية والنقاشات وحلّلن مساوئ الحكم وأسباب الفساد. وأصبحت إحدى الشابات رمزاً من رموز الثورة عندما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مشهدها وهي تدافع بحرفية تامة عن نفسها في مواجهة رجل أمن، رافضة القمع الذي مورس عليها، فتحوّلت إلى أيقونة من أيقونات الثورة.

نعلم أن النساء في لبنان ثرن قبل نشوب الثورة وناضلن من أجل دولة مدنية تحفظ حقوقهن فانتفضن على قوانين الأحوال الشخصية التي تسببت بألوف المآسي وعززت العنف بكل أشكاله ضد النساء في لبنان. ونعلم أن النساء اتخذن مواقف جريئة ضد الطبقة الحاكمة التي أوصلت البلد إلى الفتن والنعرات الطائفية، وأوهمت اللبنانين بأنهم في حماية سلطة الدولة إلا أنها قوّضت نمو الدولة الحقيقة ومفهوم المواطنة والإنتماء الواحد الموحد للوطن.

قدمت مشاركة النساء في ثورة 17 ت في الساحات رسالة للوطن بأن بلدنا لا يبنى فقط برجاله فهو منبت للنساء والرجال. لذا من الآن وصاعداً لا يمكن تجنب النساء وقمع أصواتهن أو تقليل شأنهن، فهن لسن درجة ثانية بل هن قائدات وصاحبات حقوق ضائعة بين زعيم وآخر اتفقوا في معظمهم على تهميشهن وإبعادهن عن المشاركة وإصلاح الدولة ومؤسساتها المهترئة.

لم يعد من السهل إخفاء قدراتهن وطاقاتهن ورغبتهن في خوض معركة الإصلاح وتنزيه البلد من الفساد وتشريع قوانين حديثة للوصول إلى العدالة وليس أن نبقى في الإجتهادات الضيقة والمحسوبيات والغوغائية والفساد في مؤسسات الدولة. المطلب الأساسي هو بناء دولة حديثة تحفظ وتضمن حقوق الإنسان وتحقق المساواة الكاملة من دون أي تحفظ.

‫‫ شاركها‬

‎تابع جديدنا

‎إشترك في القائمة البريدية سيصلك كل جديد

‎كن متابعاً أولاً بأول، خطوة بسيطة وتكون ممن يطلعون على الخبر في بداية ظهورة، اشترك الآن في القائمة البريدية

‎لا تقلق ، نحن لا البريد المزعج

‫شاهد أيضًا‬

الدراسة الوطنية حول تزويج الطفلات والأطفال في لبنان

خلفية عن الدراسة تهدف الدراسة إلى توفير فهم شامل ومحدث لتزويج الأطفال والطفلات في لبنان وت…