‫الرئيسية‬ مقالات «نسويّة» وأفتخر
مقالات - 08/03/2014

«نسويّة» وأفتخر

لماذا أنا نسوية؟ سؤال لا أجد حرجاً في الإجابة عنه، ليس من موقع الدفاع على الإطلاق، بل من موقع الهجوم على كل مكونات العنف والتهميش والإقصاء والتمييز

 حياة مرشاد*

يشكل الثامن من آذار من كل عام مناسبة لإحياء القضايا «النسوية» المطلبية ولاستعادة الإنجازات والإخفاقات، في وقت لا يزال فيه البعض يرى في «النسوية» إدانة لحاملات هذا الفكر وتحيّزاً للمرأة على حساب غيرها من فئات المجتمع.

لذا، ولأنني كنت وسأبقى دوماً فخورة بنسويتي، أجدني في يوم المرأة مصرّة على نصرة هذا الفكر والانتصار له. «النسوية» يا أعزائي ليست في أي حال من الأحوال كرهاً للرجال ولا حركة هادفة إلى إلغائهم وإقصائهم لصالح النساء، بل هي حركة هادفة إلى بناء مجتمع تسود فيه المساواة الاجتماعية بين الجميع، النساء والرجال ضمناً، هي حركة واجبة في أي مجتمع يستغلّ، يقمع، يقهر أو يهمّش نساءه أو أي فئة اجتماعية أخرى، والأهم أنها حركة تعي أن باستطاعة الرجل أن يكون حليفاً لقضية المساواة ولحقوق النساء، اللواتي لطالما عانين من تهميش وعنف تاريخي بحقهن، وأن العدوّ الأساسي لكل امرأة هو الفكر الذكوري، الذي يمكن أن يتجسّد في امرأة أخرى، لا في الرجل فقط.
نعم أعزائي، أنا «نسوية» حتى العظام وأفتخر. «نسوية» لأنني منذ نعومة أظفاري وأنا أتلمّس التمييز والعنف والتهميش ضد النساء في كل تفصيل. «نسوية» لأنني مذ كنت في المدرسة وأنا أتعلّم أنها تكنس وهو يقرأ الجريدة، وهي تطبخ (داخل المنزل) وهو يعمل (خارجه).
«نسوية» لأنني وعيت على أقوال شعبية ترى أن «الرجال للسياسة، والنساء للكناسة»، وأن «همّ البنات للممات»، و«المرا لو وصلت للمريخ، آخرتها للطبيخ»، و«البنت متى ما جرى دمها، يا جازتها يا طمها»، و«البيت اللي راسو مرا، كل عمرو لورا».
«نسوية» لأنني يوم تزوجت أجبرت على الخضوع لقانون أحوال شخصية طائفي يلغي كياني كامرأة ويحرمني أبسط حقوقي. «نسوية» لأنني يوم حملت بطفلي الأول لم أسمع أحداً يقول لي «نفرحلك بعروس»، الكل أراد «العريس»، وبعد وضعه تحولت المجاملات إلى «تقشعيلو خي».
«نسوية» لأنني سلخت عن طفلي بعد أربعين يوماً من الولادة، في ظل غياب إجازة أمومة منصفة لي وله. «نسوية» لأنني لا أزال حتي اليوم أشهد على نعت كل فتاة تخطّت سن الزواج، المحدد لها من قبل المجتمع، بـ«العانس»، وعلى الإشارة إلى كل أرملة أو مطلقة وكأنها مكسورة الجناح، في الوقت الذي يشجّع فيه المجتمع كل رجل على عيش حياته قبل دخول «سجن الزواج» لأن الرجل «عيبو عصباطو».
«نسوية» لأن حوالى خمسة آلاف فتاة تقتل في العالم سنوياً باسم «الشرف»، ولأن شرف أمتي لا يزال مرهوناً بجسد النساء ومحدوداً بين أفخاذهن. «نسوية» لأن أكثر من 600 مليون امرأة لا يزلن يعشن في دول لا تجرّم العنف ضد المرأة، ولأن نساء بلادي لا يزلن يعانين ويدفنّ يومياً في عتمات القبور والصمت، من دون أن تهزّ صرخاتهن ضمائر نواب الأمة لإقرار حماية قانونية لهن. «نسوية» لأنني أتألم عميقاً في كل مرة أخرج فيها إلى الشارع للمطالبة بإقرار حق النساء بالمواطنة الكاملة وبمنح جنسيتهن لأسرهن.
«نسوية» لأنني لا أزال أقابل فتيات يجبرن على الزواج بمغتصبهن بهدف السترة أو إسقاط الحكم عن المغتصب، وفق ما تكفله المادة 522 من قانون العقوبات، وفتيات يتعرضن للتحرش من دون وجود قانون يحميهن.
«نسوية» لأنني كلما قلّبت بجهاز التلفاز ولمحت إعلانات في الشوارع والمجلات، أشهد على تكريس فاضح للنمطية، العنف والتسليع للنساء. «نسوية» لأنني كلما قرأت كتابات نوال السعداوي التي تعود إلى أكثر من خمسين سنة، أتحسّس التمييز نفسه والظروف ذاتها للنساء، ولأنني كلما راجعت نضال النسويات الرائدات في بلادي؛ أمثال ليندا مطر ووداد شختورة، أعي رغم عظمة هذه النضالات أن التغيير لا يزال طفيفاً، والفكر الذكوري لا يزال مستشرياً بقوة!
«نسوية» لأسباب ودوافع أكثر من التي ذكرتها بكثير وقد لا تتّسع هذه السطور لذكرها. «نسوية» وأؤمن بأن هناك مكاناً محفوظاً في جهنّم للنساء اللواتي لا ينتفضن لكرامتهن وحقوقهن الإنسانية. «نسوية» أحلم بأن يصبح التضامن النسوي، من النساء والرجال، واقعاً، وأن تكون الوحدة حول الكرامة الإنسانية قدراً.
* المسؤولة الإعلامية في التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني

المصدر: جريدة الأخبار، مجتمع واقتصاد، العدد ٢٢٤١، السبت ٨ آذار ٢٠١٤

 

‫شاهد أيضًا‬

مشاركة التجمّع النسائيّ الديمقراطيّ في لقاءات تنسيقيّة لتعزيز معايير الحماية الآمنة للنساء والفتيات الناجيات من العنف

بدعوة من الهيئة الوطنيّة لشؤون المرأة اللبنانيٌة، شارك التجمّع النسائيّ الديمقراطيّ اللبنا…