من الخرطوم إلى بيروت-نساءٌ في مواجهة الحرب والانهيار
ليلى مروّة
في زمن تتناسل فيه الأزمات وتتكاثر الحروب، تُصبح المرأة مرآة الوجع الإنساني وضميره الحيّ.
في كلّ ساحة صراع، هي من تدفع الثمن الأبهظ ،ليس فقط من جسدها وكرامتها، بل من أحلامها وحقّها في الحياة.
وفي السودان اليوم، تتحوّل معاناة النساء إلى صرخة تتجاوز الحدود لتذكّر العالم بأن الحروب لا تكتفي بخراب المدن، بل تترك ندوباً غائرة في أرواح النساء.
منذ اندلاع النزاع المسلّح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في نيسان ٢٠٢٣ يعيش السودان واحدة من أفظع المآسي الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، فالمأساة لم تقتصر على الدمار والنزوح، بل امتدّت إلى أجساد النساء اللواتي تحوّلن أهدافاً في حربٍ تُمارس عليهن أبشع أشكال العنف.
تقارير موثوقة من منظمات حقوقية دولية وثّقت عمليات اغتصاب جماعي وزواجٍ قسري واستعباد جنسيّ تُرتكب بلا محاسبة، في انتهاك صارخ لكلّ ما تبقّى من ضمير عالمي.
الحرب هناك لم تعد معركة على السلطة، بل على فكرة الحرّية ذاتها، وعلى حقّ المرأة في أن تبقى إنسانة.
ومع سقوط منظومات العدالة وتهاوي الخدمات الأساسية، تعيش النساء السودانيات في حالة تهديدٍ دائم. لا مستشفيات، لا مدارس، لا مأوى آمناً ومع ذلك، ومن بين الرماد، تنبت مبادرات نسائية تُعيد الأمل: نساء يزرعن الأرض ليطعمن النازحين، أخريات يؤسسن مراكز دعمٍ نفسي للناجيات، وغيرهنّ يقُدن شبكاتٍ محلّية للمساعدة والتوثيق.
في بلدٍ أنهكته الحرب، ما زالت المرأة السودانية تُصرّ على الحياة، لتثبت أن الكرامة يمكن أن تولد حتى من قلب الخراب.
وعندما نُطلّ من بيروت على الخرطوم، نرى وجهاً آخر للأزمة نفسها،نحن لا نعيش حرباً مسلّحة، لكننا نعيش حرباً من نوعٍ آخر،حرب الانهيار،الاقتصاد المنهار، الدولة المتآكلة، البطالة، الفقر، وانسحاب الأمل من الوجوه. في لبنان، كما في السودان، تدفع النساء الثمن الأفدح.
فالقوانين ما زالت تضع المرأة في مرتبةٍ أدنى، تمنعها من نقل جنسيتها لأطفالها، وتحدّ من حضورها في الحياة السياسية والاقتصادية.
ومع كلّ أزمة، يزداد العبء على النساء الأمهات، العاملات، الناشطات اللواتي يتحمّلن انهيار الدولة من دون أن يُعترف بدورهن في إنقاذها.
إنّ المقارنة بين السودان ولبنان ليست مقارنة بين حربٍ وسلام، بل بين شكلين من الألم.
في السودان، يُغتصَب الجسد، وفي لبنان تُغتصَب الحقوق،هناك تُهجّر النساء قسراً، وهنا تُهاجر قهراً،هناك يُقتل الأمل بالرصاص، وهنا يُخنق بالصمت واللامبالاة.
وفي الحالتين، يُقصى نصف المجتمع عن القرار، ويُختزل التغيير إلى معارك ذكورية لا مكان فيها لصوت المرأة.
من موقعنا كنساءٍ نؤمن بالديمقراطية والعدالة، لا يكفينا أن نتعاطف أو نكتب بيانات التضام فالمطلوب أن نحوّل هذا الغضب الصامت إلى فعلٍ سياسيّ واضح، إلى تضامنٍ فعليّ بين النساء يتجاوز الحدود واللغات،فالدفاع عن نساء السودان هو دفاعٌ عن إنسانيتنا جميعاً، كما أن نضالنا في لبنان من أجل المساواة ليس معركة محلّية بل جزء من معركةٍ عالمية ضدّ التهميش والعنف والتمييز.
آن الأوان لأن نعيد تعريف النسوية كحركة سياسية تغيّر الواقع، لا كترف فكريّ أو شعارٍ موسمي،وأن ندرك أن تمكين المرأة هو شرط قيام الدولة، لا مكافأة تمنحها السلطة.
في السودان، يجب أن يُعامَل اغتصاب النساء كجريمة حرب لا كأثر جانبيّ للنزاع، وفي لبنان يجب أن يُعاد النظر بكلّ قانونٍ ينتقص من كرامة المرأة أو حريّتها.
نحن في التجمّع النسائي الديمقراطي اللبناني نرى أن معركة المرأة السودانية هي مرآة لمعركتنا،فلا حرّية لوطن تُستعبد فيه النساء، ولا ديمقراطية تُقصى عنها نصفُه. السلام الحقيقي لا يُبنى بإسكات البنادق بل بإعلاء أصوات النساء، ولا تُبنى الأوطان بالمواثيق وحدها بل بالعدالة والمساواة والكرامة.
المرأة السودانية تقاتل اليوم من أجل الحياة نفسها، والمرأة اللبنانية تكافح من أجل البقاء في وجه الانهيار وبين الحرب والانهيار، يمتدّ خيطٌ واحدٌ من الألم والمقاومة يوحّدنا،خيط النضال من أجل إنسانٍ أكثر عدلاً وامرأةٍ أكثر حرية.
اليوم، يقف السودان على حافة الجوع والموت والتهجير، فيما العالم يتفرّج بصمتٍ يساوي التواطؤ.
ملايين البشر يُقتلعون من بيوتهم، الأطفال يموتون عطشًا ومرضًا، والنساء والرجال والشيوخ يواجهون العدم في وطنٍ يتآكل أمام أعيننا.
هذه ليست أزمة داخلية فحسب بل مأساة إنسانية بحجم الضمير العالمي.
إنّ الصمت أمام ما يحدث في السودان جريمة أخلاقية لا تقلّ فداحة عن رصاص الحرب.
فحين يُترك الناس بلا مأوى ولا دواء ولا غذاء، تسقط قيم العدالة والإنسانية معاً. على المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، والمنظمات الإنسانية أن تتحرك فورًا، لا بخطابات الشجب بل بخطط إنقاذ حقيقية تُعيد الحياة للمدن المدمّرة وتضمن الحماية للمدنيين.
يجب فتح الممرات الإنسانية، وتسهيل وصول المساعدات، ومحاسبة كل من ارتكب جرائم بحق الأبرياء، لأن العدالة ليست ترفاً في زمن الحرب، بل شرطٌ لوقفها.
نحن، من بيروت إلى الخرطوم نحمل نداءً واحدًا،لا تتركوا السودان يختنق في صمته،أعيدوا إلى هذا الشعب حقه في الكرامة، في الأمن، في الأمل فالإنسان في السودان اليوم لا يحتاج إلى الشفقة، بل إلى موقف عالمي يُعيد الاعتبار لقيمة الحياة نفسها.
إنقاذ السودان هو إنقاذ لفكرتنا المشتركة عن الإنسانية، قبل أن تغرق هي أيضًا تحت ركام الحرب والنسيان.
جلسة توعية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي للرجال في صيدا
في إطار مشروع “حارتنا”، الممول من AFD و Danida، تم تنظيم جلسة توعية حول العنف …




