العنف القانوني ضد المرأة في لبنان قوانين الأحوال الشخصية والعقوبات
لشراء الكتاب من دار الفرابي انقر هنا
العنف القانوني ضد المرأة في لبنان
قوانين الأحوال الشخصية والعقوبات
دراسة قانونية
الأستاذة ماري روز زلزل
الأستاذة غادة ابراهيم
الأستاذة ندى خليفة
في إطـار الخطـة الإستراتيجيـة التـي رسمهـا التجمـع النسـائي الديمقراطـي اللبنانـي منـذ تأسـيسـه مـن أجـل تحقيـق المسـاواة بيـن الجنسـين ، وفي إطـار نشاطاتـه المتعـددة ، عمـل التجمـع على توعيـة النسـاء على حقوقهـن ، وتقديـم المسـاعدة القانونيـة لهـن لحـل المشاكـل التـي يتعرضـن لهـا سـواء في العمـل أو في العائلـة أو في أي مجـال آخـر. واللافـت هنـا ، أن معظـم الحـالات التـي كانـت تسـعى الى هـذه الإسـتشـارات القانـونيـة ، كانـت حـالات عنـف .
ومـن ناحيـة ثانيـة ، فإن برنامـج تعليـم الكبـار شكََّـل نافـذة للتجمـع للدخـول الى عالـم المعنفـات ، فعـدد كبيـر مـن النسـاء في دورات محـو الأميـة كان حرمانهـن مـن التعلـم شكـلاً مـن أشـكال العنـف الممارس ضدهـن ، بالإضافـة الى إطلالـة التجمـع مـن خـلال هـذا البرنامـج على بيئـات يسـود العنـف فيهـا بيـن أفرادهـا وخاصـة تجـاه النسـاء .
ومنـذ العـام 1993 وضـع التجمـع النسـائي الديمقراطـي اللبنانـي برنامـج مناهضـة العنـف ضمـن أولويـات خطـته الإسـتراتيجيـة وقـد ركــز في عملـه هـذا على العنـف المنزلـي الممـارس ضـد المـرأة والناتـج أساسـاً عـن التمييــز ضـد النســاء .
أتـى برنامـج مناهضـة العنـف في التجمـع فـي لحظـة تاريخيـة مهمـة ، وفي سـياق عالمـي إذ أن الحركـة النسائيـة العالميـة بـدأت تركـز عملهـا علـى العنـف المسـلط على النسـاء وتبلـور رؤيتهـا حـول سـبل مواجهتـه وطـرق حمايـة المعنفــات ، مسـتندةً الى الأبحـاث والدراسـات والتحليــلات الكثيـرة حـول هـذا الموضـوع والتـي قـام بهـا بعـض المفكريـن والمثقفيـن في العالـم ، وقـد توجـت هـذه النشـاطات بالإعـلان العالمـي لمناهضـة العنـف ضـد النسـاء الصـادر في ديسـمبر 1993 عـن الجمعيـة العامـة للأمـم المتحـدة . وفي إطـار برنامـج مناهضـة العنـف ، عمـل التجمـع الى تنفيـذ النشـاطات التاليـة :
مسـاندة النسـاء ضحايـا العنـف والتصـدي لـه ومواجهتـه عـن طريـق الإسـتماع والإرشـاد والتوجيـه النفسـي والقانونـي لهـن .
إنشـاء لجـان متخصصـة فـي فـروع التجمـع السـتة تضـم أخصائيـات نفسيـة وقانونيـات ومسـاعِـدات إجتماعيـات لمتابعـة وتقييـم وتطويـر مشـروع مناهضـة العنـف ضـد النسـاء في مختلـف المناطـق اللبنانيـة.
إجـراء دورات تدريبيـة خاصـة بالكـادر العامـل فـي هـذا المجـال علـى المفاهيـم المتعلقـة بموضـوع مناهضـة العنـف – تقنيـات الإسـتماع – كيفيـة تنظيـم اللقـاءات التحسسـية والتشـبيك مـع كـل القـوى التـي لهـا علاقـة فـي هـذا الموضـوع .
تنفيـذ أبحـاث ودراسـات هدفهـا تسـليـط الضـوء علـى مشـكلـة العنـف القائـم علـى الجنـس وخاصـة العنـف الأسـري وفـي هـذا المجـال نفَّذنـا ثـلاث دراسـات :
الدراسـة الأولـى :
دراسـة تحت عنوان ” معنفات لأنهن نساء ” شـملت ملفـات نسـاء معنفـات بالتعـاون مـع وزارة الشـؤون ( 295 حالـة عنـف ) تـم فيهـا تبيـان ردود فعـل النسـاء تجـاه العنـف وتأثيـره علـى الضحايـا وعلـى الأسـرة ونـوع المسـاعدة التـي قدًّمت لهـن – قامت بإعدادها الباحثة كارولين سكر صليبي.
الدراسـة الثانيـة :
دراسـة إسـتطلاعيـة هدفـت الـى مراجعـة عـدد مـن الملفـات الموجـودة لـدى التجمـع وبعـض الجمعيـات العاملـة فـي مجـال مناهضـة العنـف ضـد النسـاء في لبنـان والتـي وافقـت علـى التعـاون معنـا : الجمعيـة اللبنـانيـة لمنـاهضـة العنـف ضـد النسـاء وجمعيـة مرتـا ومريـم.
الدراسـةالثالثـة :
إسـتفاد التجمـع مـن هـذه الدراسـة لوضـع فرضيـات دراسـة أكثـر شـموليـةً وعمقـاً وتمثيـلاً جـرى تنفيـذها علـى عينـة مؤلفـة مـن 300 سـيدة مـن مختلـف الشـرائـح السوسيولوجيـة والثقافيـة والإجتماعيـة وإجـراء مقابـلات شـبه مفتوحـة أبـرزت خبايـا وأسـرار النسـاء ومشاعرهـن الدفينـة وهويتهـن المشـرذمـة وحقهـن المسـلوب في سـلامة أجسـادهـن وكرامـة أنفسـهن . وقـد أشـرفـت علـى هـذه الدراسـة وأنجزتهـا الدكتـورة فهميـة شـرف الديـن بالتعـاون مع كاروليـن سـكر صليبـي .
ومـن المحـاولات الحثيثـة التـي سعـى إليهـا التجمـع في سـبيل بلـورة فهـم أعمـق لتجـذر هـذا العنـف المسـلط ضـد النسـاء ، خاصـة بوجـود قوانيـن تميـز بيـن الجنسـين ، وعـدم وجـود قانـون يحمـي المـرأة المعنفـة ، لذلـك إعتمـدنـا هـذه الدراسـات القانونية ذات المقاربات المتعددة. تكشـف هذه الدراسات الذهنيـة الذكوريـة والممارسـات التمييزيـة التـي تشرع في القوانين المرعيـة الإجـراء لاسيما قوانيـن الأحـوال الشـخصيـة وقانـون العقوبـات وغيـرهـا …
وبذلـك فـإن الدراسات تقـدم الإقتـراحـات وتوضـح الحيثيـات التـي تسـاعد علـى صياغـة مشـروع قانـون يجرم العنف ويؤمن الحماية للنساء اللواتي يتعـرضن للعنـف المنزلـي .
يتـوجـه التجمـع بالشكـر الى الباحثـات القانونيـات اللواتـي كـان لهـن الفضـل فـي إنجـاز هـذه الدراسـة القيمـة . فقـد أتـت علـى درجـة كبيـرة مـن العمـق فـي التحليـل القانـونــي والربـط بيـن القوانيـن المرعيـة الإجـراء وبيـن حـالات العنـف الممـارس ضـد النسـاء ، وذلـك بقـدر كبيـر مـن الجديـة والإلتـزام والدقـة والموضـوعيـة.
الأسـتاذة مـاري روز زلـزل
الأسـتاذة غـادة إبـراهيـم
الأسـتاذة نـدى خليفـة
كما يشكـر التجمـع أيضاً منسـقة برنامـج مناهضـة العنـف ، الباحثـة كاروليـن سكـر صليبـي لجهـودهـا وتفانيهـا في العطـاء ولحسـن الإلتـزام والجديـة في العمـل وفي المتابعـة الدؤوبة .
وأخيـراً يشكـر التجمـع كـل مـن دعمـه في برنامـج العنـف ويخـص بالذكـر المؤسســات الدوليـة الداعمـة :
أوكسـفام كيبيـك
أوكسـفام نوفيـب
غلوبـل فونـد .
التجمـع النسـائـي الديمقـراطـي اللبنـانـي
مقدمة
يشكل العنـف ضـد النسـاء انتهاكـاً لكرامـة المـرأة الانسـانية وتهـديداً لسـلامة الأسـرة واسـتقرارها وعائقاً أمام نمـو المجتمـع : فالعنف يحد من قدرة النساء علـى التمتـع بالحقـوق والحريـات الانسانية التـي يقرهـا لهـن الدسـتور والمواثيق الدولية والقوانين الوطنية، يؤثر علـى صحـتهن النفسـية والجسـدية، ويحرمهـن مـن الافـادة مـن الفـرص التـي تتـاح لهـن للإنخـراط الفعـال فـي عمليـة التنميـة .
يصبح العنف أكثر فتكاً عندما يمارس باسم القانون ، وهو ما نعني به العنف القانوني: فالعنف القانوني يعـزز ثقافـة التسـلط والاقصـاء داخـل الأسـرة ويؤثـر علـى تنشـئة جيـل علـى قيـم غيـر ديمقراطيـة تنتهـك حقـوق الانسـان، ممـا يشـكل ضرراً لا يجـوز التغاضي عنـه أو التسـامح معـه.
ان ظاهـرة العنف تسـتدعي العـلاج ، وقـد ثبـت بالتجربـة أن العنـف ليـس قـدراً محتوماً بـل مرضاً قابلاً للعـلاج إذا مـا اسـتعملت الوسـائل العلميـة الفعالـة لمعالجتـه واذا ما استخدمت الآليات القانونية المناسبة للوقاية منه ولحمايـة ضحايـاه ومعاقبة مرتكبيه.
ان الدولـة مسـؤولة عـن منـع العنـف ضـد المـرأة عبـر سـن تشـريع يضـع الأطـر والقواعـد اللازمـة التـي تساوي بين المواطنين وتعالـج هـذه الظاهـرة وتعاقـب مرتكبيهـا وتحمـي الفئـات المعرضـة لهـا وتعـوض لضحاياهـا،
فضـلاً عـن مسـؤوليتها عن وضع سـياسـات وبرامـج تتعرض لأسـباب العنف ومن أبرزها التمييز ضد النساء بغيـة الوقايـة منه .
ان القوانيـن اللبـنانية المعمـول بهـا حاليـاً في لبنان، وبشكل خاص قوانيـن الأحـوال الشـخصية وقانـون العقوبـات، هي قاصرة عـن معالجـة هـذه الظاهرة لأنهـا تشـكل بحد ذاتها حالـة عنـف: بعض القواعد القانونية عنيفة بحق النساء وظالمة لهن، وبعضها الآخر يجيز بعض الممارسات العنفية ويتساهل مع مرتكبيها.
علمـاً ان الدسـتور اللبـناني وهو يشـكل عقـداً إجتماعيـاً التقـى عليـه اللبـنانيون ويؤكـدون باسـتمرار علـى التزامهـم مندرجاتـه، يحمي حقوق الانسان للمرأة ويساوي بين المواطنين :
تتضمن مقدمـة الدسـتور اللبناني نصـاً بالـغ الأهميـة يعبـر عـن لقـاء اللبـنانييـن علـى قيـم إنسـانية مشـتركة تلتقـي الأديـان علـى تكريمها.
فقـد نصـت مقدمـة الدسـتور علـى“… لبـنان هـو عضو مؤسـس وعامـل فـي منظمـة الأمـم المتحدة وملتـزم مواثيقهـا والإعلان العالمـي لحقوق الانسـان، وتجسـد الدولـة هـذه المبـادىء فـي جميـع الحقـول والمجـالات دون اسـتثناء“.
كما يتضمن الدستور مجموعة من الأحكام التي من شأنها لو طبقت أن تزيل العنف القانوني وأن تسهم في الوقاية منه وحماية ضحاياه.
ان التزام الدولـة اللبـنانية تجسـيد المبادىء المنصوص عليها في المواثيـق الدوليـة وشـرعة حقـوق الانسـان فـي كـل المجـالات بـدون اسـتثناء يلقي على عاتق السلطات كافة مسؤولية تجاه المجتمع الدولي بالوفاء بالالتزامات، وتجاه المواطنين مسؤولية تطبيق الدستور وصياغة المبادىء التي يحميها في قوانين ضامنة لها، خاصة وأن اللبنانيون يستحقون أن تجسد هذه المبادىء الراقية في تشريعاتهم وفي سلوكهم .
إن الافـادة مـن اللحظـة الدوليـة الداعمـة لحقـوق الانسـان ولمسـاءلة الدولـة عـن أعمـال العنـف ضـد المـرأة انمـا تلتقي فـي الواقـع مع حاجـة ومصلحة لبـنانية .
إن مسـتلزمات التنميـة فـي لبـنان تسـتدعي جهـود جميع أبنائـه فـي إطـار مـن المشـاركة الفعالـة ، وفـي منـاخ يحترم الكرامة الانسانية ويعـزز العدالـة والحرية والمسـاواة للجميـع .
إن أحـداث التحـول فـي السـلوك بحيـث يتجانـس مـع القيـم الراسخة التـي أكـد عليها اللبـنانيون فـي الدسـتور هـو ضمانة لتحسـين نوعية حياتهـم وتنميتهـا .
إن التأكيـد علـى الحقائـق الثابتـة ومبـادىء العدالـة واحتـرام الكرامـة الانسـانية التـي تؤكدهـا الأديـان السـماوية مـن شـأنه أن يسـهم فـي التأسـيـس لمجتمـع مسـالم يؤمـن الحيـاة الكريمـة لكـل أبنائـه .
ولمـا كـان موضـوع تجريـم العنـف المنزلـي ومعاقبـة مرتكبيـه وحمايـة النسـاء منـه ومعالجـة أسـبابه يبـدأ بتنزيه القوانيـن مـن العنـف ومراجعتهـا علـى ضـوء القيـم التـي يحميهـا الدسـتور ومبـادىء العدالـة والمسـاواة التـي تؤسـس لمجتمـع ديمقراطـي حقيقـي ، ممـا حـدا بنـا فـي الدراسـات المعروضـة أدنـاه الـى تسـليط الضـوء علـى مواضـع العنـف ضـد المـرأة فـي قوانيـن الأحـوال الشـخصية وقانـون العقوبـات وصـولاً الـى اقتـراح الحلـول الفوريـة الوقائيـة والرادعـة لحمايـة المـرأة مـن العنـف المنزلـي .
مع العلم أن الحـل الأكثر فعالية يكمن فـي وضـع قانـون متخصـص بالحمايـة مـن العنـف الأسـري بحيـث يسـاعد علـى إرسـاء العلاقـات الأسـرية والزوجيـة علـى قواعـد تبادليـة وديمقراطيـة ويسـاهم فـي التغييـر الاجتماعـي لسـلوك المـرأة والرجـل علـى السـواء .
الدراسة الأولى
معالجة العنف المنزلي والوقاية منه
في قوانين الأحوال الشخصية للطوائف المسيحية
المحامية ماري روز زلزل
توطئة
أولاً: العنف في القوانين المذهبية
1- التمييز ضد النساء وبينهن
أ– التمييز بين النساء في القوانين المذهبية
ب– التمييز ضد النساء في علاقات السلطة
–أهلية النساء
– المحافظة على الأسرة
ج– التطور في بعض القوانين المذهبية.
2- آثار التمييز ضد النساء
أ– الآثار القانونية للعنف الجسدي
ب–العنف في نظام الامتيازات \ نظام الحقوق
ج–الصمت عن العنف في التقليد\ المحافظة
3- أدوات الضغط على النساء
أ– الأمومة وحق الولاية والحضانة
ب– توزيع الثروة في الأسرة وآثاره
ج–الحق بالتقاضي والقدرة عليه
ثانياً: مسؤولية الدولة
1- مسؤولية الدولة الدستورية: حماية حقوق الانسان للمرأة.
أ– التزام الدولة في متن الدستور.
ب– عدم احترام الدولة للدستور: التمييز ضد النساء هو في سياسة الدولة التشريعية
2- سياسة الدولة التشريعية: التمييز في ثلاث محطات
أ–السيداو: الغاء التمييز بشرط الابقاء على التمييز
ب– الامعان في التمييز والبروتوكول الاختياري
ج– القانون المدني مخرج مرفوض
ثالثاً: الحلول المقترحة
1- وضوح الارادة السياسية
2- التزام تطبيق الدستور
3- تطبيق مبادىء حقوق الانسان في النظامين التشريعي والقضائي
– في النظام التشريعي: القانون المدني– قانون خاص يحمي من العنف المنزلي
– في النظام القضائي: توسيع صلاحية القضاء المدني–محكمة الأسرة
4- صياغة مؤشرات لقياس عدالة القوانين
5- مرصد وبنك معلومات
6- تعزيز ثقافة حقوق الانسان
7- مساهمة المجتمع المدني
رابعاً: المراجع.
توطئة:
تفتقر القوانين اللبنانية على اختلاف مرجعياتها المذهبية والمدنية الى نص صريح يتضمن آليات واجراءات تحمي النساء من العنف الممارس عليهن، خاصة في نطاق المنزل؛ لا بل يشكل النظام القانوني الطائفي حالة عنف لما يتضمنه من عنف مباشر ومن تمييز ضد النساء، وأيضاً لما يتضمنه من تبرير لمرتكبي العنف.
تشكل قوانين الأحوال الشخصية ونطاق تطبيقها المجال الذي تستشري فيه حالات العنف الأكثر ضراوة: تتعرض النساء في حياتهن الخاصة والعامة لشتى أنواع العنف التي تمتهن كرامتهن الانسانية. ويعتبر العنف المنزلي الأكثر ايلاماً. فهو يصدر عن أقرب المقربين اليها من الذين يفترض أنهم يشكلون شبكة أمانها وحمايتها؛ يرتكب في المنزل وهو نطاق خاص له حرمته.
العنف ضد النساء هو النتيجة التلقائية للتمييز التاريخي ضدهن؛ وهذا ما أكدت عليه التوصية رقـم 19 الصادرة عن لجنة السيداو عام 1992 اذ اعتبرت أن التمييز ضد المرأة سـبب رئيسي مـن أسـباب العنـف. يستمر نتيجة عدم مراجعة المفاهيم الرائجة والقوانين السائدة، ويتفاقم نتيجة تقاعس الدولة عن القيام بالتزاماتها تجاه مواطنيها، لاسيما لجهة حماية من هم الأجدر بالحماية.
اعتادت النساء لأسباب عديدة الصمت عن العنف الممارس عليهن، من أبرز هذه الأسباب الحفاظ على الأسرة، الى أن انكشف حجم الظاهرة ووطأتها على المرأة والأسرة معاً، والى أن ارتفع الصوت بادانتها باعتبارها من الجرائم المرتكبة ضد الحقوق الانسانية للمرأة التي تستدعي العقاب عليها.
العنف ضد النساء هو نتاج بنية اجتماعية تاريخية تتصف بالتراتبية والسلطوية، تتمثل بعلاقات السلطة بين الرجال وبين التابعين له من النساء والأولاد لاسيما البنات. تتمتع هذه البنية الاجتماعية بالحصانة القانونية وتشكل قوانين الأحوال الشخصية الطائفية جزءاً أساسياً من جهاز مناعتها القانوني. تطلق على هذه القوانين الصفة ” الدينية ” تجاوزاً لحمايتها من التغيير حفاظاً على البنية الذكورية الأبوية السائدة.
لو سلمنا بأن للطوائف مرجعياتها العقائدية والثقافية والتنظيمية الخاصة غير المتفاعلة مع حاجات الناس، يبقى أن نتوجه الى الدولة لنسائلها عن موقفها وعن سياستها، خاصة وأن تدخلها لحماية المرأة كانسان من العنف الممارس عليها، وان كان يرتكب داخل الأسرة، انما هو من مسؤولياتها الدستورية .
يشتمل البحث على ثلاثة أقسام ، يتناول الأول موضوع العنف القانوني في القوانين المذهبية، مقاربة متعددة المداخل للعنف القانوني بوصفه أداة من أدوات السلطة؛ يتناول القسم الثاني مسؤولية الدولة الدستورية في الحماية من العنف واحترام حقوق الانسان للمرأة، فيما سياسة الدولة التشريعية قائمة على التمييز المسبب للعنف؛ ويتناول القسم الثالث مجموعة من الاقتراحات لاحترام حقوق الانسان للمرأة ولحمايتها من العنف.
أولاً– العنف القانوني في القوانين المذهبية:
تخضع الأحوال الشخصية الى مجموعة من القوانين المدنية والمذهبية، اللبنانية والأجنبية، بعضها يطبق أمام المحاكم المدنية وأخرى تطبق أمام المحاكم المذهبية.
لا يتطرق البحث الى كل مسائل الأحوال الشخصية لاسيما تلك التي ينظمها القانون المدني: كالجنسية وهي تخضع للقانون المدني علماً أنه يميز ضد المرأة اذ يحرمها من حق اعطاء الجنسية لزوجها ولأولادها اذا كانت متزوجة من أجنبي وهو يمثل حالة عنف قانوني ؛ وأيضاً مسائل النفوس وقيوده وهي أيضاً تقوم على تبعية المرأة للرجل اذ تقيد المرأة على خانة والدها ثم على خانة زوجها؛ وأيضاً الارث بالنسبة للطوائف غير الاسلامية وهي تخضع الى قانون الارث لغير المحمديين وهو قانون مدني متوازن لجهة الحقوق بين الرجال والنساء. كما لن نتناول الزواج المدني المعقود في الخارج وهو يخضع للقوانين الأجنبية التي تطبقها المحاكم المدنية اللبنانية…
ان موضوع بحثنا في القسم الأول منه محصور بمسائل الزواج ومفاعيله وهي تخضع للقوانين المذهبية التي تطبقها المحاكم المذهبية.
1- التمييز بين النساء وضدهن
أ–التمييز بين النساء في القوانين المذهبية:
تميز القوانين المذهبية بين النساء اذ تطبق على كل امرأة قانوناً مختلفاً تبعاً للطائفة التي تنتمي اليها؛ علماً أن هذه القوانين موضوعة من مرجعيات دينية ولا تشارك بوضعها النساء. تجدر الاشارة الى أن النصوص التي تطبق في موضوع الأحوال الشخصية لم يتم التصديق عليها من قبل الحكومة ولا من قبل مجلس النواب، لذلك لم تكتسب حقيقة الصفة القانونية، بل يعمل بها على اعتبارها من التقاليد المقننة.
ان عدد الطوائف المسيحية المعترف بها قانوناً بموجب القرار 60 ل.ر. وما لحقه من تعديل وبموجب القانون الصادر في 2 نيسان 1951 يبلغ 12 طائفة: البطريركية المارونية، البطريركية الروم الأورثوذوكسية، البطريركية الكاثوليكية الملكية، البطريركية الأرمنية الغريغورية( الأورثوذكسية) ، البطريركية الأرمنية الكاثوليكية، البطريركية السريانية الأورثوذكسية، البطريركية السريانية أو السريانية الكاثوليكية، الطائفة الشرقية الأشورية الأرثوذكسية، البطريركية الكلدانية، والكنيسة اللاتينية ، والطائفة الانجيلية، والطائفة القبطية.
لكل من هذه الطوائف محاكمها التي تطبق قوانينها الخاصة. لا شك أن هذه الطوائف تتبع المرجعية المسيحية، لكن تعدد هذه القوانين والتباين في أحكامها يبرر التساؤل المشروع حول طبيعة هذا التباين، هل هو ذو طبيعة دينية أم تاريخية؟ يتفق الجميع على القول أنه فيما عدا مسألة اجازة الطلاق لدى بعض الطوائف وعدم اجازته لدى طوائف أخرى، كل التباين في المسائل الأخرى هو ناتج عن التطور العقائدي الذي حكمته الاعتبارات التاريخية.
تتسم القوانين المذهبية بالتمييز ضد النساء من خلال ارساء الأسرة على قاعدة هرمية سلطوية يرأسها الرجل، ” رب ” الأسرة. ان هذه التراتبية كانت موجودة في العديد من القوانين حتى المدنية منها، لكن التطور الديمقراطي والاقرار بالمساواة بين الناس أدى الى الغائها تدريجياً. في فرنسا مثلاً، كانت السلطة الزوجية ورئاسة الرجل للأسرة مكرسة في القانون المدني الى أن ألغيت بقانون 4 حزيران 1970.
ب – التمييز ضد النساء في علاقات السلطة
تبرر سلطة الرجال على النساء داخل الأسرة والتمييز ضدهن بذرائع متعددة، تتراوح بين مقتضيات الحفاظ على تماسك الأسرة وصولاً الى نقص أهلية المرأة .
– نقص أهلية المرأة
يطال التمييز في الحقوق والواجبات كل النساء الى أي طائفة دينية انتموا فتنتهك كرامتها الانسانية وحقوقها الشخصية وموقعها في الأسرة أكان مع زوجها أم تجاه أولادها. ان المساواة بين الرجل والمرأة والشراكة في الأسرة تتوقف على الاقرار بالمساواة بالأهلية القانونية. ان موضوع اكتساب المرأة لأهليتها القانونية الكاملة لم يحسم بعد في نظام الأحوال الشخصية وهو يعود الى الظهور من وقت لآخر في معرض توضيح سياسة الدولة التشريعية في مواضيع الأحوال الشخصية. أثير موضوع الأهلية عام 2002 في معرض مناقشة التوقيع على البروتوكول الاختياري للسيداو.
– المحافظة على تماسك الأسرة
تبرر أيضاً السلطة الزوجية ورئاسة الرجل للأسرة والممارسات التي تستتبعها بوظيفتها في الحفاظ على تماسك الأسرة ، كما يثار موضوع الحفاظ على تماسك الأسرة لتبرير صمت النساء عن العنف الممارس عليهن. فالأسرة في معظم القوانين مبنية على رئاسة الرجل للعائلة، وعلى ما تستتبع من اشراف على أفرادها و تعهد لمصالحها: واجب الزوجة بالاقامة مع زوجها في المسكن الشرعي، والانتقال معه اذا أراد السفر، وعليها واجب الطاعة فيما هو مباح شرعا“، حق الزوج في الاشراف على زيارات زوجته وتقييدها…
يميز القانون في عقد الزواج وخلاله، غير أن التمييز الأخطر بالنسبة للنساء هو ذاك المتعلق بحقوقهن على أولادهن خاصة في موضوع الولاية والحضانة الأولاد، وبقدرتهن على ممارسة هذه الحقوق، دون أن ننسى العنف القانوني والاجتماعي الذي يطال الولد غير الشرعي، وبشكل خاص البنت غير الشرعية.
ان التطور الاجتماعي والواقعي يفرض تطوير القوانين واعتماد معايير حقوق الانسان، لاسيما منظومة حقوق الانسان للمرأة.
ج– التطور في بعض القوانين المذهبية
خلال الفترة الممتدة من 1990 الى 2007 ، أدخلت تعديلات هامة على عدد من قوانين الأحوال الشخصية لدى الطوائف المسيحية، اتسمت بالانفتاح على مفهوم الشراكة بين الزوجين داخل الأسرة ومراعاة بعضها لمصالح الطفل الفضلى1. لكن هذه التعديلات والنصوص الجديدة وان كان يعمل بها في المحاكم المذهبية، الا أنها لم تكتسب بعد قوة القانون؛ فبالرغم من تقديم هذه التعديلات الى الحكومة وتسجيلها عملاً بمقتضيات القانون، الا أنها لم تتم المصادقة عليها بعد وان كان بعضها قد نشر في الجريدة الرسمية.
من أبرز هذه التعديلات:
مشروع قانون جديد للطوائف الكاثوليكية الشرقية الستة أقر في 18\11\1990 ، يطبق على كل طائفة من قبل محاكمها الخاصة، وضع موضع التنفيذ اعتباراً من 1\11\1991.
مشروع قانون الأحوال الشخصية وأصول المحاكمات لدى الطائفة الأرثوذكسية صدر في 16\11\2003.
مشروع قانون الأحوال الشخصية للطائفة الانجيلية وقانون أصول المحاكمات لدى محاكمها في سوريا ولبنان، صدر في 13\7\2006.
لكن هذه النصوص والتعديلات التي طرأت عليها، لا تزال تتصف بالسلطوية وبالتمييز ضد النساء، أي أنها تشكل بحد ذاتها شكلاً من أشكال العنف القانوني وأحد أسبابه.
أكثر الأمور اضراراً بالنساء وعنفاً تجاهها، والتي تكون في بعض الحالات أشد وطأة من العنف الجسدي، هو استخدام حقوقها الطبيعية على أولادها كوسيلة ضغط عليها؛ يتفاقم الضرر عندما تكون النساء أمام أفق مسدود نتيجة العجز الاقتصادي، وبسبب عدم القدرة على مراجعة القضاء للانتصاف وللمطالبة بحقوقها.
2- آثار التمييز ضد النساء
أ– العنف الجسدي وأثره القانوني
ترتب القوانين المذهبية آثاراً متباينة على العنف الجسدي الممارس داخل الأسرة تبعاً للضرر الذي ينتج عنه وتبعاً لطبيعة أسبابه: فالعنف الجسدي الذي يمارسه الزوج يعتبر في بعض الحالات سبباً للهجر بين الزوجين مع الابقاء على الرابطة الزوجية، ” تستند المحكمة في اقرار الهجر المؤقت ….وجود خطر على أحد الزوجين من الآخر ” ؛ في حالات أخرى يعتبر العنف سبباً للطلاق أو دليلاً على وجود عجز نفسي من شأنه أن يشكل سبباً لابطال الزواج كونهم ” لا يستطيعون تحمل واجبات الزواج الأساسية لأسباب ذات طبيعة نفسية “.
ان الآثار التي ترتبها المحاكم المذهبية على العنف لا تشمل كل حالات العنف الجسدي، لاسيما اغتصاب الزوجة؛ كما أنها لا تشمل حالات العنف النفسية والعقلية والاجتماعية. يضاف الى ذلك أن اثارة موضوع العنف الجسدي أمام المحاكم المذهبية تخضع لموازين قوى اجتماعية واقتصادية تعجز العديد من النساء عن تحمل كلفتها. يضاف الى ذلك أن بعض حالات العنف تطال النساء من غير الزوج، كالأولاد أو الأقارب المقيمون في المنزل، وهي حالات تبقى خارج المعالجة القانونية، ويتضاعف أثرها اذا لم تكن المرأة تلقى دعم زوجها. كما أن العنف يمارس داخل المنزل على الخادمات لاسيما الأجنبيات وغالباً ما يبقى مسكوتاً عنه.
ب– العنف في نظام الامتيازات/ نظام الحقوق:
يغلب على القوانين المذهبية نظام الامتيازات الذي يميز النظام الأبوي، وهو النظام الذي يعزز المكتسبات المتلازمة مع الموقع ولا تستتبع موجبات تقابلها. هي من وسائل السلطة في النظم القمعية ومن ضمانات استمرارها: للرجل امتيازات لكونه رجلاً، ولأن الامتيازات لا تقابلها موجبات، تصبح حقوق النساء منحة من الرجل وليس حقاً لها،مما يجعل العنف من الأدوات التي تستعملها السلطة بدون حساب لمجرد أنها صاحبة الامتياز.
ان تكريس نظام الامتيازات الذكورية في القانون يضعف المرأة ويجعلها عاجزة عن مقاومة العنف الممارس عليها.
ان التزام الدستور تجسيد الدولة لمبادىء حقوق الانسان يؤدي في حال تطبيقه الى الخروج من نظام ” الامتيازات ” الذكورية المعمول به في قوانين الأحوال الشخصية ، والدخول في نظام ” الحقوق ” الذي يؤسس له الدستور، أي النظام الذي يقوم على التبادل والموازنة بين المصالح واعتماد الحوار العقلاني، وهو المرتكز لأي ثقافة ديمقراطية، فيما يتناقض مع النظام السلطوي الذي تنتجه القوانين.
ج– الصمت عن العنف في التقليد/ المحافظة:
المجتمع اللبناني هو محافظ، هذه احدى سماته. لكن المحافظة لا تعني حكماً التقليد، فثمة تقاليد هي أعباء لا ينهض المجتمع اذا تمسك بها، ومنها الصمت عن العنف الممارس داخل المنزل، التستر عليه لا بل نصرة المعتدي.
حتى وقت قريب كان يزعم أن العنف لا يعدو عن كونه حالة استثنائية وفردية، لكن تبين أنه شائع بحيث يشكل ظاهرة تستدعي العلاج.
3- أدوات الضغط على النساء
تكثر وسائل الضغط التي تضعها القوانين بيد الرجل لاخضاع المرأة لسلطته، وهي تصل في حدها الأقصى الى اجازة الايذاء الجسدي أو عدم ترتيب النتائج الرادعة عليه.
عدة وسائل ضغط قانونية تشكل انتهاكاً للدستور وأيضاً للقيم الدينية. فالدين المسيحي يحترم المرأة ويقدسها، ويعطيها أولوية على الرجل في العلاقة مع الأولاد.
أ – الأمومة.
ان القوانين المطبقة في المواضيع المتصلة بعلاقة الأم بأولادها هي موضوع قلق دائم في ظل ولاية الأب على أولاده، كما أن الحضانة هي من المواضيع التي تشكل نموذجاً للعنف على النساء: يخضع حق المرأة على أولادها للاعتبارات الاجتماعية التقليدية التي تعطي الأولوية للذكور بالرغم من الاقرار بأنهم أقل قدرة من النساء على تأمين مصلحة الطفل الفضلى. معيار الحق بالحضانة هو سن القاصر وليس مصلحته، فتتباين مدة الحضانة من مذهب الى آخر، وتميز بين الذكور والاناث. من جهة أخرى، حتى عند اقرار الحق للأم بالحضانة في بعض حالات الهجر أو بطلان الزواج، وعندما لا تكون الأم قادرة مادياً على اعالة طفلها، تضطر الى التنازل عن حقها تأميناً لمصالح طفلها.
بعض المحاكم تعتمد في قراراتها معيار مصلحة الطفل الفضلى. لكن تقدير المحكمة لمصلحة الطفل لا يخضع لمعايير واضحة وعامة. تجدر الاشارة الى أن بعض القضاة يحاولون الانفتاح على معايير حقوق الانسان، ويتعاطفون مع النساء للحد من عنف القانون عليهن، مما يودي بهم الى تجاوز القانون في بعض الحالات.
يعتبر موضوع الحضانة في الخلافات الزوجية نقطة الضعف الأساسية التي تضطر النساء في معرضها الى التنازل عن حقوقها المادية والشخصية والاجتماعية خوفاً من فقدان حقها بالحضانة، وخوفاً على مصلحة أبنائها.
تجدر الاشارة الى أن واقع النساء شهد تحولاً دراماتيكياً، خاصة بالنسبة للنساء اللواتي تعيل أسرهن والتي تحتل مناصب مهنية واجتماعية بارزة. انعكس هذا التحول وان بشكل جزئي ومحدود في القوانين المذهبية لاسيما تلك التي عدلت مؤخراً، كما في القانون الذي ينص على أنه” يتعاون الوالدان بتربية أولادهما والانفاق عليهم ” ، وأيضاً ” عند انحلال الرابطة الزوجية تراعى أولاً وآخراً مصلحة الأولاد في تحديد من يتولى تربيتهم. ويترك تقدير ذلك وفقاً للظروف الموضوعية لكل قضية بحسب ما تراه المحكمة مناسباً.”
فيما لا تزال قوانين أخرى يعمل بها منذ أكثر من خمسين عاماً تنص على أنه ” للأب أن يقيم وصياً مختاراً على أولاده القاصرين بصك يوقعه الموصي ويصدقه الرئيس الروحي. … وولاية الوصي المختار تحجب كل ولاية سواها ” أي أنها تحجب حتى ولاية الأم!
ذلك أن العبرة بالنسبة للقوانين لا تزال بالحفاظ على سلطة رب الأسرة ومركزية القرار فيها حتى وان كان ذلك على حساب مصلحة الطفل وحقوق الأم.
ب– توزيع الثروة في الأسرة وآثارها
يفتقر توزيع الثروة في الأسرة الى العدالة نتيجة توزيع الأدوار التقليدي داخلها، ونتيجة جهل النساء للقانون الذي يتيح لها اعتماد نظام الأموال الأكثر مواءمة لوضعها:
تكرس القوانين المذهبية توزيع الأدوار التقليدي داخل الأسرة، وهو أساساً موضوع لصالح الرجل؛ تعمل النساء بدوام كامل في المنزل لكن بدون أجر، فالمرأة هي المسؤولة عن العمل المنزلي ورعاية الأسرة، الأمر الذي غالباً ما يعيق أو يحد من قدرتها على القيام بعمل مدر للدخل ويؤدي الى تبعيتها الاقتصادية.
بامكان النساء أن يعمدن الى تنظيم اتفاقية مع الزوج العتيد تتيح لهن المشاركة بالثروة التي يجنيها الزوج خاصة اذا كان يصر على التزام زوجته المنزل:
ان نظام الأموال المعمول به عادة هو نظام فصل الأموال. اذا كانت الزوجة لا تؤدي عملاً مدراً للدخل، تضطر الى الرضوخ للظلم بسبب تبعيتها الاقتصادية للزوج خوفاً من العوز، كما أنها تجد نفسها في حالات الطلاق أو بطلان الزواج عاجزة عن المطالبة بنصيب من الأموال التي اكتسبها الزوج خلال الزواج.
علماً أن القوانين المذهبية تأخذ بالاتفاقيات المعقودة بين الزوجين لتنظيم علاقتهما المادية، لكن أكثر النساء يجهلن حقوقهن لهذه الجهة.
يضاف الى ذلك أن حقوق المرأة الارثية ، أي نصيبها في معرض اعادة توزيع الثروة الخاصة داخل الأسرة وان كان متوازناً في قانون الارث لغير المحمديين وهو قانون مدني، الا أن عدداً كبيراً من النساء لا يزلن عاجزات عن الحصول على حقوقهن الارثية في الواقع نتيجة ضغوط اجتماعية تعزز موقع الرجل.
كما أننا لا نزال نجد نساءاً ينظمن وكالات عامة للزوج تجيز له التصرف بأملاكها، مما يضعها برضاها في حالة التبعية، خاصة وأن العديد من الأزواج يتصرف بثروة زوجته لمصلحته الخاصة.
من جهة أخرى، يشكل موضوع النفقة مادة حيوية في حالات الانفصال والهجر. على الرغم من أن دعاوي النفقة خاصة المعجلة تفصل بها المحاكم قبل الفصل بأساس النزاع، الا أنها تستغرق أشهراً تكون فيها النساء والأطفال عرضة للمخاطر. كثيراً ما تراجعت النساء عن المطالبة بحقوقها لعجزها عن التعامل مع الفترة التي تفصلها عن صدور قرار النفقة، علماً أن المبالغ المقررة لا تكون عادة كافية لتأمين معيشة المرأة، وبشكل خاص عندما تكون خارج المنزل الزوجي.
ان الفجوة الاقتصادية بين الرجل والمرأة أكان لجهة اكتساب الثروة من خلال العمل، أو اعادة توزيعها في نظام الأموال وفي معرض الارث، يضع النساء واقعياً في موضع الضعف وتصبحن بالتالي أكثر عرضة للعنف وأقل قدرة على التعامل معه.
ج– الحق بالتقاضي والقدرة عليه:
يقر القانون حق التقاضي للجميع، غير أن العديد من النساء خاصة غير العاملات منهن، تعجزن عن تحمل كلفته الاجتماعية والمادية: ان مراجعة القضاء من قبل الزوجة يعتبر اجتماعياً خروجاً عن سلطة الزوج؛ فاذا لم تجد المرأة دعماً اجتماعياً ومساندة من أهلها، يصعب عليها الاستمرار في المطالبة بحقها. وتضعف احتمالات هذه المساندة نظراً للضائقة الاقتصادية التي تعاني منها الشريحة الأكبر في المجتمع، خاصة وأن رسوم وأكلاف التقاضي لدى المحاكم المذهبية هي مرتفعة بشكل غير منطقي: تتباين الرسوم القضائية بين طائفة وأخرى وبين محكمة وأخرى حتى بالنسبة للطائفة نفسها: ان رسم دعوى الطلاق مثلاً أمام المحاكم الأرمنية يبلغ مليوني ليرة لبنانية، وهو يصل اذا تعددت الأسباب للطلاق الى أكثر من ثلاثة ملايين عند بعض الطوائف الكاثوليكية. يبلغ رسم الدعوى أمام محاكم طائفة الروم الأرثذكس في بيروت مئة ألف ليرة فيما الرسم أمام محكمة الطائفة الأرثذكسية في الجبل يصل الى مليون ومئتي ألف ليرة.
ان العجز عن ممارسة الحق بمراجعة القضاء هو أيضاً من وسائل الضغط التي يراد منها لجم النساء عن المطالبة بحقوقهن، وهو شكل من أشكال العنف القانوني.
بعد تنامي الوعي بحقوق الانسان للمرأة نتيجة التوعية عليها، وبشكل خاص بعد اقرار السيداو وانعقاد المؤتمرات الدولية لوضع البرامج الآيلة الى الغاء التمييز ضد النساء، خرج موضوع العنف الممارس على النساء وبشكل خاص العنف المنزلي الى العلن. وازداد عدد النساء اللواتي يرفعن الصوت للشكوى منه بمؤازرة واحتضان من منظمات المجتمع المدني لاسيما تلك المعنية بقضايا النساء وبشكل خاص قضية العنف الممارس عليهن. لقيت صرخة النساء صدى لدى بعض المراجع الرسمية، لكنه لم يرقى الى درجة تجريم العنف والالتزام بحماية النساء منه.
ثانياً – مسؤولية الدولة
تتعامل الدولة بكافة سلطاتها ” بخفر ” مع السلطات الاجتماعية لاسيما في المجال الخاص:
في علاقتها مع الطوائف، تنكفىء الدولة وراء حيادها القانوني واحترام حقوق الأهلين في أنظمة الأحوال الشخصية الذي تقره المادة التاسعة من الدستور، مما يؤدي الى تعزيز سلطة الطوائف على المنتمين اليها من جهة، وزيادة الشرخ العامودي بين فئات المجتمع المتعددة.
– في علاقتها مع الأسرة، تنسحب الدولة وراء حرمة المنزل متقاعسة بالتالي عن اتخاذ الاجراءات الفعالة لحماية أعضاء الأسرة لاسيما الأكثر عرضة للعنف.
فالعنف المنزلي يرتكب في النطاق الخاص، وبفهم مغلوط لحرمة المنزل يؤدي الى تحصين المعتدي ضد تدخل السلطة العامة. تصل الاعتداءات المحمية بحرمة المنزل في الحالات القصوى حد الاجازة بالقتل. يسود الاعتقاد الخاطىء أن كل ما يدور داخل المنزل لا علاقة له بالسلطة العامة كونه يدخل في نطاق الصلاحية الحصرية للمرجعيات المذهبية والشرعية.
تسهم السلطة في العنف المنزلي وتبرره عندما تقر بمبدأ التميز ضد النساء في متن القوانين، وعندما تتساهل مع مرتكبي العنف؛ كما تسهم السلطة في العنف المنزلي عندما تمتنع عن اقرار قوانين حمائية لصالح ضحايا العنف.
1- مسؤولية الدولة الدستورية: حماية حقوق الانسان للمرأة.
أ– موجبات دستورية.
ان دور الدولة في احترام حقوق الانسان، وبالتالي حماية النساء من العنف الأسري، مكرس في مقدمة الدستور بموجب القانون الدستوري رقم 18 تاريخ 31\9\1990 التي نصت على التالي: “…لبنان هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والاعلان العالمي لحقوق الانسان، وتجسد الدولة هذه المبادىء في جميع الحقول والمجالات دون استثناء.”
ان تأكيد الدستور على تعبير ” دون استثناء ” يؤدي الى عدم استثناء نطاق الأسرة، أي أن الدولة ملتزمة الغاء التمييز ضد المرأة حتى داخل الأسرة. يكون الدستور بذلك قد حسم مسألة أولوية حقوق الطوائف على حقوق الأفراد المنتمين اليها. تنص المادة التاسعة من الدستور : « حرية الاعتقاد مطلقة ، والدولة بتأديتها فروض الاجلال لله تعالى تحترم الأديان والمذاهب وتكفل حرية اقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على ان لايكون في ذلك اخلال في النظام العام ، وهي تضمن ايضا” للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية .» بالرغم من وضوح هذه المادة التي لا تعطي حقوقاً حصرية للطوائف على المنتمين اليها، الا أن مقدمة الدستور أعلنت بوضوح حقوق الناس كأفراد والتزام الدولة بها، فلم يعد أمام الدولة الا تحمل مسؤولياتها تجاه مواطنيها.
ب– التزام الدولة حقوق الانسان.
يشكل التزام الدولة تجسيد مبادىء حقوق الانسان في جميع الحقول والمجالات دون استثناء مرتكزاً قوياً للمطالبة بحماية النساء من العنف الممارس عليهن. ان التمييز ضد النساء يضع الأسس التي ينطلق منها العنف ضدهن، فضلاً عن أن التمييز هو شكل من أشكال العنف الذي التزمت الدولة العمل على الغائه.
-
سياسة الدولة التشريعية: التمييز في ثلاث محطات
يعتبر التمييز ضد النساء في قوانين الأحوال الشخصية في صلب سياسة الدولة التشريعية. فبالرغم من التزام لبنان مبادىء حقوق الانسان في متن الدستور، والتزامه تجسيد الدولة لهذه المبادىء في كل المجالات بدون استثناء، الا أنه بات واضحاً أن الدولة في سياستها التشريعية فيما يتعلق بالنساء غير ملتزمة بالدستور. لقد تأكد هذا الأمر جلياً في أكثر من محطة، أبرزها ثلاث: في التحفظات التي وضعتها الدولة عند التوقيع على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وعند اتخاذ الموقف من البروتوكول الاختياري وأيضاً في الموقف من الزواج المدني:
أ– الغاء التمييز بشرط الابقاء على التمييز
انضم لبنان الى اتفاقية القضاء على حميع أشكال التمييز ضد المرأة عام 1996 بموجب القانون رقم 572 الصادر في 24 تموز 1996. علق على الاتفاقية المرحوم الدكتور وجيه خاطر مدير عام وزارة العدل آنذاك، وعرض موقفه من مفهوم المساواة الذي تقترحه الاتفاقية.2
تعتبر اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في مادتها الأولى ان مصطلح التمييز ضد المرأة يعني : ” أي تفرقة او استبعاد او تقييد يتم على اساس الجنس ويكون من آثاره او اغراضه النيل من الاعتراف للمرأة ، على اساس تساوي الرجل والمرأة بحقوق الانسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية او في أي ميدان آخر ، او ابطال الاعتراف للمرأة بهذه الحقوق او تمتعها بها وممارستها لها بغض النظر عن حالتها الزوجية » ؛ الأمر الذي يعزز الاعتقاد أن كل المجالات هي اليوم تحت ضوء المعالجة.
سجل المشترع اللبناني تحفظه في المادة الأولى من القانون 572 على على المادة 9 المتعلقة بالمساواة في الجنسية والمادة 16 فقرة أ– ج– د– و– ز المتعلقة بالمساواة في الأحوال الشخصية.
تنص المادة 16على أن : « تتخذ دول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية ، وبوجه خاص تضمن على اساس تساوي الرجل والمرأة :….
ج – نفس الحقوق والمسؤوليات اثناء الزواج وعند فسخه .
د – نفس الحقوق والمسؤوليات كوالدة ، بغض النظر عن حالتها الزوجية في الأمور المتعلقة بأطفالها ؛ وفي جميع الأحوال تكون مصالح الأطفال هي الراجحة.
و – نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم او ما شابه ذلك من الأنظمة المؤسسية الاجتماعية ، حين توجد هذه المفاهيم في التشريع الوطني ؛ وفي جميع الأحوال تكون مصالح الأطفال هي الراجحة.
ز – نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة ، بما في ذلك الحق في اختيار اسم الأسرة والمهنة والوظيفة » .
لكن التحفظ على هذه المادة وعلى غيرها لاسيما المساواة في منح الجنسية لم يحل دون قيام حركة واسعة تهدف الى تنزيه التشريع من المواد التي تميز ضد المرأة. وبالرغم من الانجازات الهامة التي تحققت، الا أن هذه الحركة اصطدمت بالتحفظ في قوانين الأحوال الشخصية والجنسية، التي أظهرت أن التمييز هو في صلب السياسة التشريعية للدولة.
أصبح موضوع رفع التحفظات، خاصة وأنها تناقض جوهر الاتفاقية، محور نشاط الحركات النسائية.
ب– الامعان في التمييز والبروتوكول الاختياري: عذر أقبح من ذنب
محطة ثانية أثبتت أن الدولة غير ملتزمة الدستور ولا تجسيد مبادئه: عند عرض البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على مجلس الوزراء، رفض الانضمام اليه: صدر عن هيئة التشريع والاستشارات الاستشارة رقم 65/2002 بتاريخ 30/1/2002 التي رأت عدم التوقيع على البروتوكول معللة موقفها، أيدها وزير الشؤون الاجتماعية الوزير الد. أسعد دياب ، وأخذ بها مجلس الوزراء3.
من أبرز ما جاء فيها:
بما أن البروتوكول المطلوب التوقيع عليه يهدف إلى تفعيل الاتفاقية التي انضم اليها لبنان في 1996، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ،
وبما أن المشترع اللبناني عندما أجاز للحكومة الانضمام إلى الاتفاقية المذكورة تحفظ على بعض المواد الواردة فيها المتعلقة بالجنسية وبالزواج، وأغفل التحفظ على مواد أخرى من شأنها أن تؤثر على قوانين الأحوال الشخصية الموجودة في لبنان والتي يصعب المس بها، فالمشترع اللبناني لم يتحفظ على ما يلي:
فقرة « و » من المادة الثانية التي تلزم الموقعة على الاتفاقية على تعديل تشريعاتها الوطنية لازالة التمييز الموجود بين الرجل .
المادة 15 من الاتفاقية التي تمنح المرأة أهلية مساوية للرجل في الشؤون المدنية ، والفرص عينها للمارسة تلك الأهلية.
البند الأول من المادة 16 الذي يقضي بأن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييزضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية، حيث اقتصر تحفظه على بعض الأمثلة الخاصة بحقوق الزوجة أثناء الزواج وعند فسخه، وبحقوق الوالدة في ما خص أطفالها والحقوق المتعلقة بالوصاية والولاية.
وبالتالي يتبين أن التحفظات التي وضعها المشترع اللبناني على الاتفاقية لا تشمل أحكام الارث التي تدخل في باب العلاقات الأسرية المنصوص عليها في المادة 16 من الاتفاقية، كما لا تشمل وضعية المرأة عند توقيعها كشاهدة على بعض العقود التي تنظر فيها المحاكم الشرعية أو المذهبية أو الروحية علما” أن بعض هذه الأحكام ، والتي تتعلق بالأحوال الشخصية تتعارض ومبدأ المساواة بين الرجل والمرأة المذكور في التفاقية ومن الصعب تعديلها.
لذلك، ترى هذه الهيئة عدم التوقيع على البروتوكول المنوه عنه أعلاه، وفي مطلق الأحوال اعلان عدم اعتراف الدولة اللبنانية باختصاص اللجنة بتعيين التحري ….
يظهر من مضمون هذه الاستشارة أن حقوق النساء لا تزال موضوع تجاذب حتى التي تعتقد النساء أنها أصبحت من حقوقها المكتسبة. والعبرة في ذلك هي عدم توفر الارادة السياسية لأن التمييز هو في صلب سياسة الدولة التشريعية.
ج – القانون المدني مخرج مرفوض
للقانون المدني مكان لا يزال شاغراً في التشريع اللبناني؛ هو مطلب تلتقي حوله كل الارادات الساعية الى دولة المواطن كونه يسهم في ايجاد بيئة قانونية تشجع على تفعيل حقوق الانسان. ساهم في هذه المطالبة وجود قاعدة اجتماعية مدنية الثقافة واسعة الانتشار بين كل الطوائف، كانت تعتقد أن القانون المدني يسهم في الخروج من الشرخ العامودي الذي يتسبب به انغلاق الطوائف، ويعيد شبكة العلاقات الأفقية بين المواطنين. كما أنه يؤمن المساواة بين الرجل والمرأة ويعطي حريتهما الشخصية حيزاً أكبر في صياغة حياتهما المشتركة.
بالفعل، إقر مجلس الوزراء بتاريخ 18/3/1998 مشروع قانون الأحوال الشخصية الإختياري الذي أطلقت عليه تسمية مشروع الرئيس الهراوي وصوت عليه إثنان وعشرون وزيراً، أي أكثر من ثلثي مجلس الوزراء. لكن ثورة عارمة قامت ضده، فطوي ملفه قبل أن يعرض على مجلس النواب.
مع العلم أن الزواج المدني المعقود في الخارج ينتج كامل مفاعيله في لبنان إذا كان صحيحاً وفقاً لقانون البلد الذي عقد فيه. فقد أجازت المادة 25 من القرار 146 ت.ر. تاريخ 18\11\1938 للبنانيين أن يعقدوا زواجهم خارج لبنان بالشكل المدني، وعند حصول أي نزاع حول الزواج ونتائجه تكون المحكمة المدنية هي الصالحة لفصل النزاع وفقاً للقانون المدني الأجنبي.
نتج عن ذلك أن العائلات اللبنانية المتزوجة مدنياً تخضع لحوالي مئة نظام قانوني مختلف، وأن المحاكم اللبنانية تصدر أحكامها باسم الشعب اللبناني وهي تطبق القانون الأجنبي.
محطات ثلاث حملت وعوداً بازالة التمييز بين المواطنين، وارساء العلاقات الأسرية على قاعدة المساواة والمشاركة، وباتطلاع الدولة بمسؤولياتها الدستورية، الا أن الدولة في كل منها أثبتت أن التمييز هو في صلب سياستها التشريعية، وأنها غير ملتزمة بأحكام الدستور.
ثالثاً: الحلول المقترحة
-
الارادة السياسية
ان توفر الارادة السياسية هو الشرط الأساسي لاطلاق أي عملية اصلاحية، خاصة في لبنان حيث تتعدد المرجعيات المتباينة وذات الصلاحية ، مما يرتب على الدولة مسؤوليات اضافية في تنسيق المواقف وتقريبها ضمن رؤية وخطة واضحة بغية تنزيه التشريع من العنف من خلال ازالة مسبباته لاسيما التمييز ضد النساء، ومن خلال توسيع صلاحية القوانين المدنية والقضاء المدني، وأيضاً من خلال اقرار قانون يجرم العنف ضد النساء ويؤمن لهن الحماية منه.
2- تطبيق الدستور والمواثيق الدولية
يفرض الدستور اللبناني التزام الدولة بمعايير حقوق الانسان والمواثيق الدولية، وهي من العناوين التي ترفعها كافة سلطات الدولة باستمرار.
ان تبني الدستور للمواثيق الدولية والتزام الدولة تجسيدها يضعها في موقع رفيع يوازي القوانين الدستورية، بحيث تكون القوانين المتعارضة معها معرضة للابطال أمام المجلس الدستوري لعدم دستوريتها.
أ– في النظام التشريعي
– مراجعة القوانين المعمول بها في لبنان على ضوء معايير حقوق الانسان.
– اقرار قانون مدني للأحوال الشخصية
لا بد من العمل الجدي والحوار الصريح حول موضوع القانون المدني للأحوال الشخصية الذي يشكل مطلباً للمجتمع المدني ويلبي حاجة اجتماعية وقانونية لا يستقيم النظام القانوني للأحوال الشخصية من دونه، خاصة وأن التشريع لقانون مدني يبنى على احترام حقوق الانسان ويؤسس لاستقرار الأسرة.
ان سعي المجتمع المدني الحثيث الى اقرار قانون مدني ولو اختياري للأحوال الشخصية كان يجابه سلبياً لاعتبارات سياسية تتعلق بالمحاصصة داخل النظام الطائفي، ولاعتبارات تتعلق بحقوق الطوائف على مواضيع الأسرة.
– وضع تشريع خاص يتضمن اجراءات حماية لضحايا العنف المنزلي:
يفتقر القانون اللبناني الى اجراء خاص بالحماية من العنف المنزلي، كما أن سبل المراجعة القانونية المتاحة هي غير كافية، الأمر الذي يستوجب اقرار قانون خاص للحماية من العنف المنزلي. يستدعي اقرار هذا القانون نقاشاً واسعاً حوله ، قد بدأ بالفعل بغية ايجاد الصيغة الموائمة والأكثر فعالية. يثير هذا القانون أكثر من مسألة، لذلك يجب أن يكون موضوع نقاش عام. لقد وضعت بعض مشاريع القوانين ومنها مشروع القانون الذي وضعته جمعية كفى عنف وهو جدير بأن يكون موضوع دراسة بغية مناقشته والدفع باتجاه اقراره.
ب– في النظام القضائي
– تشجيع تطبيق المواثيق الدولية أمام القضاء
ان تطبيق المواثيق الدولية مباشرة أمام المحاكم جائز في النظام اللبناني؛ عند تعارض القوانين الوطنية مع أحكام المعاهدات الدولية تعطى الأولوية للمعاهدات الدولية على القوانين العادية عملاً بالمادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية واستناداً الى مبدأ تسلسل القواعد، اذ تنص على أنه ” عند تعارض أحكام المعاهدات الدولية مع أحكام القانون العادي، تتقدم في مجال التطبيق الأولى على الثانية“، مما يفتح الباب واسعاً أمام القانونيين الى تفعيل مبادىء حقوق الانسان وتطبيقها أمام القضاء العادي.
لقد صدرت بالفعل عن القضاء اللبناني على اختلاف درجاته أحكاماً بالغة الأهمية شكلت منعطفاً للاجتهاد لجهة تطبيق معايير حقوق الانسان والمواثيق الدولية مباشرة أمام القضاء.
– توسيع صلاحية المحاكم المدنية بحيث تشمل حماية الأسرة وأعضائها.
ان القضاء المدني هو في الأصل صاحب الصلاحية لحماية حقوق الناس، أما الصلاحية المذهبية فهي استثنائية، وقد ثبت بالممارسة أن فعاليتها من منظور العدالة هي محدودة.
– تفعيل الآليات الموجودة :
يتضمن النظام القانوني اللبناني مجموعة من النصوص تشكل اطاراً وان محدوداً يتيح للقضاء العادي التدخل لحماية المواطنين من العنف الممارس عليهم.
ان الوهن الذي أصاب مؤسسات الدولة وسلطاتها انعكس أيضاً على القضاء. بالفعل، ساد توجه لدى القضاء خلال الحرب وما بعدها الى تفادي الدخول في أي احتمال يضعهم في مواجهة المراجع الطائفية، وصل بهم حد التراجع عن استخدام صلاحياتهم القانونية والامتناع عن احقاق الحق.
في الفترة الأخيرة، صدرت أحكاماً هامة عن بعض القضاة أعادت الثقة الى النظام القضائي أشير بشكل خاص الى حكمين صدرا مؤخراً أحدهما عن الرئيس جون القزي والآخر عن القاضي فوزي خميس، تمكنا من ضمن اطار صلاحيتهما ودون التعدي على صلاحيات المراجع المذهبية من اتخاذ قرارات تطال موضوع الأسرة كالتبني والحضانة.
فالقرار الصادر عن محكمة الدرجة الأولى في المتن الغرفة الناظرة في قضايا الأحوال الشخصية برئاسة القاضي جون القزي بتاريخ 8/2/2007 بموضوع دعوى تبني حيث اعتبرت أن القضاء المدني يحفظ اختصاصه عند انتفاء اختصاص القضاء المذهبي أو الشرعي ويبت بالطلب سلباً أو إيجاباً، وفي الحالة المعروضة اعتبرت محكمة الدرجة الأولى في المتن أن حق التقاضي يشكل مبدأً أساسياً من مبادئ وركائز قوانين أصول المحاكمات المدنية وهو حق لصيق بالشخصية الإنسانية ولا مجال أن نتصور ولو للحظة إمكانية حرمان أي فرد منه.
– توسيع دائرة رقابة القضاء العادي على الأحكام المذهبية:
ان انتهاك القضاء المذهبي لقوانينه واصدار أحكام مخالفة لها تبقى من دون مراجعة فعالة تحمي منها لأن القانون لا يجيز للهيئة العامة مراقبة مضمون الأحكام المذهبية.
لذلك يجب توسيع صلاحية الهيئة العامة لمحكمة التمييز بحيث تراقب مضمون الأحكام المذهبية وتشمل كل خرق للنظام العام، واعتبار أن المساس بأي حق من حقوق الانسان، لاسيما العنف ضد النساء هو بمثابة المساس بالنظام العام ، خاصة وأن المبادىء التي تجرمه مكرسة في الدستور.
– تفعيل الرقابة القضائية على القوانين واعطاء المواطنين الحق بمراجعة المجلس الدستوري:
لحظ مشروع انشاء المجلس الدستوري الذي وضع في وثيقة الطائف ايلاء الحق للمواطنين بتقديم المراجعة أمامه، غير أن القانون الدستوري رقم 18 تاريخ 31\9\1990 الذي أدخل تعديلات هامة على الدستور، والقانون رقم 250 تاريخ 14 تموز 1993 الذي أنشىء بموجبه المجلس الدستوري حرم المواطنين من هذا الحق اذ أقر في المادة التاسعة عشرة منه ما يلي:
المادة 19 كما عدلت بالقانون الدستوري رقم 18 تاريخ 21\9\1990 تنص على التالي:
“…يعود الحق بمراجعة هذا المجلس في ما يتعلق بمراقبة دستورية القوانين الى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء أو الى عشرة أعضاء من مجلس النواب ، والى رؤساء الطوائف المعترف بها قانوناً في ما يتعلق حصراً بالأحوال الشخصية وحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية وحرية التعليم الديني.”
ان العدالة تقضي بأن يعطى المواطنون الحق بمراجعة المجلس الدستوري عندما تكون القوانين مخالفة لأحكام الدستور، خاصة وأن المواطنين هم المتضررون الحقيقيون من الأحكام المجحفة والعنيفة التي تتضمنها بعض القوانين.
– ايلاء صلاحية النظر بكافة القضايا للقضاء العدلي والغاء نظام المحاكـــم الخاصة.
– انشاء محكمة خاصة بالأسرة
من الضرورة بمكان استحداث محكمة خاصة بقضايا الأسرة تتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة ووزارة العدل وبشكل خاص دوائر تنفيذ الأحكام. تكون هذه المحكمة من جهة على تماس وقرب من المحاكم المذهبية والشرعية بغية التأسيس لمفهوم مشترك للعنف والوصول الى فهم مشترك لخطورة تداعياته على استقرار الأسرة والمجتمع، وتكون هذه المحكمة من جهة أخرى اللبنة الأولى للمحكمة المدنية التي نأمل أن تعنى بكافة شؤون الأسرة وتكون ضامنة لوحدة نظامها وفعالية الاجراءات المتخذة. يكون من صلاحيات هذه المحكمة اصدار قرارات الحماية، كما يكون من صلاحياتها أن تعالج مواضيع العنف لقانوني الذي تتعرض له النساء والأطفال لاسيما في حالات التزاع أكان لجهة التعاون على تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية المتعلقة بالحضانة والمشاهدة والزيارات والنفقة ، فضلاً عن متابعة معالجة ضحايا العنف والذين يمارسون العنف على السواء.
3- صياغة مؤشرات لقياس عدالة القوانين
ان قوانين الأحوال الشخصية شأنها شأن القوانين الأخرى، تهدف الى تنظيم العلاقات في اطار من العدالة. وللعدالة مؤشرات من الممكن قياسها وتقييم القوانين ورصد أثر تطبيق هذه القوانين على ضوئها.
وقد يكون من مهام المجتمع المدني وضع هذه المؤشرات انطلاقاً من الدستور وحث الدولة على الأخذ بها.
4- مرصد وبنك معلومات
قد يكون من المفيد التنسيق بين الجمعيات لاسيما العاملة في مجال حقوق الانسان وبشكل خاص مناهضة العنف ضد النساء من أجل رصد حالات العنف الممارس على النساء أكان في القوانين أم في الممارسة، وتأسيس بنك للمعلومات يرفده ويستفيد منه كل المعنيين.
5- تعزيز ثقافة حقوق الانسان
تعزيز الثقافة القانونية لحقوق الانسان وتعزيز قيم العدالة والحرية بصفتها ملازمة لاحترام الكرامة الانسانية، وذلك من خلال:
مراجعة واسعة للقيم التي تحكم المجتمع، لاسيما القيم التي تعزز العنف بغية نبذها والتنبيه منها. ان تقبل المجتمع للعنف والاقرار به، وعدم المعاقبة عليه وعدم تأمين الحماية للمرأة المعنفة يساهم في استشرائه؛ ويشجع على العنف أيضا” تحمل المرأة له بصمت، أكان نتيجة العجز أو الخوف من المواجهة أم نتيجة جهلها بحقوقها، أو نتيجة التزامها العادات والتقاليد باسم المحافظة.
مراجعة وسائل حل النزاعات داخل الأسرة ، تعزيزاً للحوار والتفاوض والمشاركة لتأمين مصالح الأسرة والأفراد المنتمين اليها.
ضرورة ادراج موضوع السلوك والقيم في مرحلة الاعداد للزواج أكان من قبل المراجع المذهبية أم من قبل المراجع المدنية والرسمية ( كوزارة الشؤون الاجتماعية)، بحيث يكون واضحاً للزوجين أن العنف هو جريمة يستتبع العقاب عليه والتعويض عنه.
هذا فضلاً عن عدد من الاجراءات ومنها التدريب والتأهيل لقوى الضابطة العدلية والقضاء والمحامين والأطباء الشرعيين على طرق التعامل مع العنف ومع ضحاياه، على توثيق العنف واعداد الملفات.
وقد يكون من المفيد وضع معايير واضحة لموضوع العنف الأسري تعمم على وزارة الصحة العامة والأطباء الشرعيين وكافة المحاكم والأجهزة المختصة.
6- المجتمع المدني
من المهم الإشارة إلى أن الجهود المنصبة باتجاه تحقيق المساواة بين النساء والرجال ليست غريبة عن المرأة اللبنانية وهي ليست وافدة اليها من الخارج: إن مسألة حقوق النساء وبشكل خاص مسألة المساواة وتنزيه القوانين من التمييز وبالتالي من العنف، كانت ولا تزال جزءاً من نضال النساء في لبنان، وقد كانت اللبنانيات من السباقات في العالم العربي لتأسيس الجمعيات وكانت أولها قد تأسست عام 1881 ، وهي جمعية زهرة الإحسان، التي كان من أهدافها ” توعية المرأة بقضاياها“. ان عدم رضى المرأة في لبنان عن واقعها، ووعيها بأن عليها السعي لتغيير هذا الواقع والانعتاق من القيود ومن التمييز ضدها كان ولا يزال موضوع مبادرات وجهود حقيقية وأصيلة. لكن لا تزال تشكو الحركات النسائية من نقص في الأطر التنظيمية للعمل المشترك وللتنسيق والتشبيك مع منظمات المجتمع المدني الأخرى بغية زيادة فعالية نشاطها.
ان دور المجتمع المدني في زمن العولمة بات أساسياً في احداث الاصلاح من خلال شراكة مع الدولة لتأمين حاجات الناس ومصالحها، ومن أبرزها تحرير المجتمع وبشكل خاص النساء من التمييز والعنف .
رابعاً: مراجع الدراسة
– تطور بنى الأسرة العربية والجذور التاريخية والاجتماعية لقضاياها المعاصرة، د. زهير حطب، الدراسات الانسانية علم اجتماع الأسرة.
– ثقافة الطائفية – الطائفية والتاريخ والعنف في القرن التاسع عشر تحت الحكم العثماني. د. أسامة المقدسي– ترجمة ثائر ديب. دار الآداب–بيروت– 2005.
– «المواطنية في لبنان بين الرجل والمرأة» من وقائع مؤتمر «المواطنية في لبنان بين الرجل والمرأة» المنعقد في الجامعة الأميركية في بيروت في آذار (مارس) 1997 إعداد وتحرير نجلاء حماده، جين المقدسي وسعاد جوزف، منشورات دار الجديد،
– في المجلس الدستوري انشاؤه ، نظامه الداخلي، قراراته، آراء فقهية 1993-2001، المنشورات الحقوقية صادر 2002 .
– شروحات مجموعة قوانين الكنائس الشرقية. – جونيه : منشورات المكتبة البولسية، 2005.
– نهرا، يوسف. – الاحوال الشخصية لدى جميع الطوائف. – بيروت : المنشورات الحقوقية صادر، 2002.
– يونس، عبدو. – الأحوال الشخصية في التشريع والتطبيق. – بيروت : دار المطبوعات العربية، 1996.
– الزواج ومفاعيله لدى الطوائف المشمولة في قانون 2 نيسان 1951 – المحامي ابراهيم طرابلسي– المن2008 منشورات الحقوقية صادر-2000.
– ابتسام مسرة وماهر محمصاني باشراف بشير بيلاني وأندره دوكوك ، مجموعة قوانين –الأحوال الشخصية، جامعة القديس يوسف، 1970.
– أين الخطأ– الشيخ عبدالله العلايلي– دار الجديد.
– القاضي جون القزي –الزواج المدني، بيروت 2007.
– ورقة خلفية للتقرير الوطني للتنمية البشرية–ماري روز زلزل– UNDP الهوية العامة والخصوصيات –دور الدولة في قوانين الأحوال الشخصية –الحياد تجاه الطوائف والالتزام بحقوق الانسان والمواطن 2008.
– مجموعة التشريع اللبناني
– Droit civil, Ph. Malaury. L. Aynes. Editions Cujas 1996
ِ– Annick Batteur, Droit des personnes et de la famille , Edition LGDJ.
– Jean Carbonnier, Flexible droit,8e edition, LGDJ 1,995.
– Pierre Gannage,Le pluralisme des statuts personnels dans les etats
multicommunautaires, Bruylant, presses de l’universite Saint Joseph, 2001.
– Marie-Claude Najm, Principes directeurs du droit international
prive et conflit de civilizations, Nouvelle bibliotheque de theses,
Dalloz, 2005.
-Nasri Antoine Diab, Le Droit Fondamental a la Justice, Bruylant, Delta, LGDJ, 2005
.- Droit et Religion , oeuvres du colloque organise par CEDROMA,
Universite Saint Joseph, Bruylant,2003.
-
Les violences contre les femmes, Maryse Jaspard, collection
REPERES , 2005.
الدراسة الثانية
دراسة واقع المرأة في التشريعات المعمول بها لدى الطوائف الإسلامية الثلاث:
السـنية والشـيعية والدرزية
المحامية الاستاذة
غادة ابراهيم
توطئة:
أولاً: تعريف العنف
ثانياً: أوجه العنف القانوني
1 – سلطة الولي على المرأة في الزواج
2 – سلطة الزوج أثناء قيام العلاقة الزوجية
3 – الطلاق بإرادة الرجل المنفردة
4 – إباحة تعدّد الزوجات
5 – أحكام الحضانة وأثرها على الأم والأولاد
6 – أحكام الإرث
ثالثاً: دور المحاكم في تجذير العنف القانوني
1 – في اجتهادات المحاكم
2 – في دعاوى الطاعة
3 – في دعاوى الطلاق والمهر
4 – في دعاوى الحضانة
5 – في دعاوى الإرث
6 – في دعاوى الطلاق
7 – في موضوع النفقة
رابعاً: اقتراحات
خامساً: المراجع
توطئة
بعد مضي حوالي الستين عاماً على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبعد بذل الجهود القصوى التي قامت بها الأمم المتحدة من أجل نشر ثقافة ديباجة الإعلان المذكور لا سما الفقرة الأولى منها:
“لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع الأسرة البشرية وعقولهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم…
ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم…”
ما زال وضع المرأة في منطقتنا تحاول عود درجات سلم المساواة, مكبلة بقيود الموروث ومثقلة بالمفاهيم الدينية والماورائية.
وللتأكيد على حقوق المرأة اعتمدت الجمعية العامة في العام 1979 اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وأنشئت بعد ستين أي في العام 1981 لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة وبدأ نفاذ الاتفاقية المذكورة بعد تلقي تصديقات عشرين دولة الشرط اللازم لنفاذ الاتفاقية.
وقد صدقت 136 دولة على هذه الاتفاقية من بينها لبنان, إلا أن التحفظات التي سمح بها أطاحت بمضمون هذه الاتفاقية وجعلت من محتواها مجرد شعارات لا انعكاس واقعي لها على واقع المرأة المد ني و القانوني والاجتماعي والسياسي.
وسنحاول في هذه الدراسة بعد تعريف العنف القانوني ، توصيف الواقع القانوني للمرأة في قوانين الأحوال الشخصية، المتبعة لدى المذاهب الإسلامية الثلاث السنة والشيعة والدروز، مستندين إلى النصوص القانونية المرعية مع إشارتنا إلى اجتهادات المحاكم ومواقفها من القضايا المطروحة.
أولاً : تعريف العنف
استناداً إلى المواثيق الدولية, يعرف العنف بأنه كل اعتداء جسدي أو معنوي يقوم به طرف قد يكون فرداً أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة بهدف استغلال وإخضاع طرف آخر في إطار علاقة قوة غير متكافئة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً مما يتسبب في إحداث أضرار مادية أو معنوية أو نفسية لفرد أو لجماعة أو لطبقة اجتماعية أو لدولة أخرى.
هذا التعريف القانوني يقابله تعريف مبسط يعتبر أن العنف هو كل اعتداء يقوم به شخص صاحب سلطة معينة تجاه شخص آخر يسبب له ألماً نفسياً أو جسدياً أو يشكل انتقاصاً من كرامته الإنسانية.
ولا يخرج العنف القانوني عن هذا التوصيف فهو من حيث مصدره تقوم به جماعة وليس فرداً، فالقانون يطبق باسم الشعب أي باسم الجماعة.
غير أن مصدره هو السلطة الحامية نفسها, أي الدولة بمعنى أن من يفترض إشاعة العدل بين الناس هو مصدر للاعدل, واللامساواة.
وليس المجال في هذه الدراسة الغوص في مدى تمثيل السلطة المشرعة للمواطنين أو على الأقل لأصحاب الحقوق الذي تشرع لهم.
إلا انه ما يمكن قوله انه لدينا في لبنان قوانين الأحوال الشخصية تشكل مصدراً للعنف، بوجهيه المادي والمعنوي إذا اعتبرنا أن حرمان المرأة من حقوقها المادية هو عنف مادي.
وقوانين الأحوال الشخصية هي التي تحكم العلاقات الأسرية وتتحكم بأوضاع العائلة من كافة الجهات زواجاً وطلاقاً وبنوة وحضانة وإرثاً ونفقة إلى كل ما يجاور هذه الحقوق ويتفرع منها.
هذه القوانين ولدى جميع الطوائف اللبنانية الإسلامية والمسيحية تنال من حقوق المرأة وتنتقص من كرامتها.
وهو ما يصح فيه معنى التمييز المقصود في المادة الأولى من اتفاقية التمييز ضد المرأة أي ” لأغراض هذه الاتفاقية يعني مصطلح “التمييز ضد المرأة” أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه توهين أو إحباط.
الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في ميدان آخر, أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها, بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل.
نأى لبنان كما فعلت بعض الدول عندما أبدت تحفظاتها على عدد من مواد الاتفاقية أي المواد 9 فقرة 2 و 16 فقرة ج–د–و–ز.
وهكذا أصبحت الشرائع السماوية وفقاً لما يفسرها الفقهاء هي المصدر الوحيد الذي يرعى أحكام الأحوال الشخصية للفرد في لبنان بعد أن أحالت إليها القوانين الوضعية.
وبحجة الحفاظ على خصوصية التنوع في المجتمع اللبناني، فقد هذا الوطن أهم عناصر وحدته وتماسكه ألا وهي المواطنة الحقيقية.
كما فقد نصف طاقته المتمثلة بالمرأة بعد أن عطل دورها وأخضعها لنظام هو أقرب إلى عبودية الجاهلية وقد أسبغت عليها شرعية دينية. ورغم اعتراف الفقهاء والمنظرين بأن الأحكام المشكو منها إنما أتت في حينها لتنظيم ما كان سائداً وللحد من أضراره ، غير أن أي طرح لتطوير هذه الأحكام وتعديلها بما يتماشى مع هذا العصر ومتطلباته. لا يلقى سوى الاستنكار والاستبعاد متذرعين بما هو خلط بين الديني والدنيوي وبين الإلهي والبشري متمسكين بالحرفية حتى لو تناقضت مع روح النص ومعانيه.
ويلاحظ الباحث في قضايا المجتمع, أن جملة من التناقضات يعيشها أفراد هذا المجتمع، فنرى التناقض بين الديني والثقافي ، بين العلمي والموروث وبين الحديث والقديم دون أن يترك المجال لحصول أي تفاعل بين هذه التناقضات.
نظراً إلى أن الأسرة تشكل الوحدة الاجتماعية الأهم, من الناحية العاطفية والنفسية والفكرية, بدأت تعاني ارتباكاً كبيراً, تحول إلى نوع من الفوضى في منظومة القيم، فها هي الأسر تتخبط بين مفهوم المحافظة التقليدي المبني على العادات الاجتماعية وبين الالتزام الديني المستند إلى المنظومة الدينية المتكاملة, و بين الحداثة المبنية على الانفتاح الإيجابي وبين مفهوم الحرية المطلقة التي تصل أحياناً إلى حد التفلت.
وفي حين نرى ورش العمل التي تقيمها هيئات المجتمع المدني تستحضر أحدث النظريات العلمية والفكرية والوسائل التربوية الحديثة التي تعنى بشؤون الأسرة والطفل والتي تشارك فيها مرجعيات دينية ورسمية نرى أن لا انعكاس لذلك في القوانين التي ترعى هذه الأسرة.
وان هذه القوانين أي قوانين الأسرة ما زالت هي نفسها منذ العهد العثماني دون تحديث أو تطوير وكأنما نقرأه في الكتب وما نسمعه في المحاضرات وما يتم النقاش به في ساحات العلم والفكر لا يعني واقعنا المعاش.
وهكذا حدث الفصام بين ما نقوله وما نفعله وكان للمرأة النصيب الأكبر من هذا الفصام ومن هذه الازدواجية.
نذكر هنا أن القوانين التي ترعى الأحوال الشخصية لدى الطوائف الإسلامية الثلاث، هي:
– قانون حقوق العائلة: والذي وضع أيام السلطنة العثمانية في عام 1336 هجري أي 1917 م. ويستمد أحكامه من الشريعة الإسلامية.
– قانون تنظيم القضاء السني والجعفري الصادر في 16 تموز 1962 وقد جاء فيه أن القاضي السني يصدر حكمه طبقاً لأرجح الأقوال من مذهب أي حنيفة إلا في الأحوال التي نص عليها قانون حماية العائلة.
أما القاضي الجعفري فيصدر أحكامه طبقاً للمذهب الجعفري وكما يتلاءم مع هذا المذهب من أحكام قانون العائلة.
– قانون الاحوال الشخصية للمودين وقد صدر في 24 شباط 1948.
وهكذا تمكنت الطوائف من إنشاء محاكم تختص بالأحوال الشخصية مفصولة عن المحاكم المدنية وإن كانت تشكل جزء من التنظيم القضائي الرسمي غير أن من يتولى القضاء فيها ليسوا من أصحاب الاختصاص القانوني بل من دارسي العلوم الشرعية.
ثانياً: أوجه العنف القانوني
وللمزيد من إلقاء الضوء على مواقع الإجحاف ومصدر العنف في قوانين الأحوال الشخصية نحاول في هذا البحث استعراض واقع القوانين التي ترعى المرأة في المواضيع التالية ونبين أوجه العنف في الصور التالية:
-
سلطة الولي على المرأة في الزواج
-
سلطة الزوج أثناء قيام العلاقة الزوجية
-
الطلاق بإرادة الرجل المنفردة.
-
إباحة تعدد الزوجات
-
أحكام الحضانة وأثرها على الأم والأولاد.
-
أحكام الإرث.
-
سلطة الولي على المرأة في الزواج:
وهو ما يعرف بالولاية في الزواج.
المقصود بالولاية على النفس هو عندما يعتبر القانون أن شخصاً ما هو ناقد للأهلية أو ناقصها, فيحدد شخصاً آخر ولياً عليه.
والمرأة تعامل كالقاصر أو كالناقص الأهلية إذ يشترط القانون موافقة وليها عند عقد زواجها.
المادة 47 من قانون حقوق العائلة:
” لو كتمت الكبيرة وليها وزوجت نفسها بنفسها بدون استحصال رضاءه ينظر إن تزوجت كفؤاً فالعقد ولو بأقل من مهر المثل أما لو تزوجت غير كفؤ ……. أن يراجع الحاكم ويطلب فسخ النكاح.”
أما المادة 49 تنص على أن “رضى أحد الأولياء المتساوين درجة يسقط حق اعتراض الآخرين“
وهذا يفيد بأنه ليس الأب فقط هو الولي فعند غياب الأب تنتقل الولاية إلى الجد لأب إذا كان موجوداً وإلا إلى الأعمام فالأخوال وهكـذا يكفي الولي من هؤلاء الإعراب عن عدم رضاه لكي تقع المرأة ضحيته وبمنعها من الزواج.
أما لدى الشيعة فالمادتين 47 و49 من قانون حقوق العائلة لا تطبقان لأنه وفقاً لفقه الشيعة الأمامية لا فرق بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى. وليس للولي حق الاعتراض أو شرط الموافقة.
ولدى المذهب الدرزي تزوج الفتاة نفسها دون حاجة لوليها ولكن يتوجب على قاضي المذهب وشيخ العقل وقبل إعطاء الإذن بزواجها أن يبلغا وليها بالأمر, فإذا لم يعترض هذا الولي في مدة خمسة عشر يوماً من تاريخ تبليغه أو اعترض وكان اعتراضه في غير محله يأذن المرجع الصالح بهذا الزواج.
أما المرأة التي يزيد عمرها عن السن المحددة في المادة السادسة أي إحدى وعشرين سنة, فإننا نرى أن لا شيء يمنع من إجراء عقد زواجها بمعزل عن إذن وإرادة وليها شرط أن يكون ذلك بحضور شهود العقد.
هذه المادة لا تطبق لدى المذهب الجعفري فالفتاة البالغة الرشيد تزوج نفسها بنفسها وليس لأحد الولاية في الزواج.
أما كيف تطبق هذه الأحكام؟ فإنه ورغم الفترة الزمنية الفاصلة بين صدور هذا القانون أي منذ ما يزيد عن السبعين سنة وما لحق بوضع المرأة من متغيرات إيجابية بقي هذا النص على حاله.
ويتضمن الشكل الرسمي لعقد الزواج والذي تعتمده المحاكم الشرعية خانة خاصة بموافقة الولي ولزوم توقيعه على العقد.
كما يشترط القاضي وعند منح الموافقة على عقد الزواج موافقة الولي.
ولنا هنا أن نتصور المفارقة المحرجة عندما تقف ابنة الثلاثين أو الأربعين تنتظر موافقة وليها أو أحد أقاربها من العصب لتتمكن من عقد زواجها.
ولا يمكن التخلص من شرط موافقة الولي إلا بادعاء أن الفتاة ليست بكراً, وهنا يمكن للمحكمة الشرعية أن تعقد زواجها دون حضور وليها, وهو أيضاً موقف لا تحسد المرأة عليه.
-
سلطة الزوج أثناء قيام العلاقة الزوجية:
بعيداً عن العلاقة الإنسانية التي يبنى عليها الزواج, ترعى العلاقة الزوجية جملة من القوانين والأحكام الشرعية التي تؤسس للعنف الزوجي نظراً لما تضمنه من تشريع للعنف إن لم يكن دعوة له.
ويتجلى ذلك في ما يعرف أو ما يطلق عليه حقوق الزوجية أو موجباتها وهي ثلاثة:
حقوق الزوج
حقوق الزوجة
الحقوق المشتركة
أما حقوق الزوج وهي المذكورة في المواد 69 و70 و73 و74 من قانون حقوق العائلة فهي حق الطاعة والإقامة معه في مسكن واحد والذهاب معه إلى حيث يريد شرط ألا يحصل لها ضرر.
وحقوق الزوجة هي استحقاق المهر والنفقة اللازمة من مسكن وملبس ومأكل وحسن المعاملة.
ثم الحقوق المشتركة وهي حق استمتاع كل منهما بالآخر وحق الإنجاب وحق التوارث.
ومن مقارنة الموجبات بالحقوق يتبين لنا أن حق الزوج بطاعة زوجته يلزمه بدفع المهر والإنفاق عليها, أو بعبارة أخرى أن موجب الزوجة بالطاعة يقابله موجب الزوج بالإنفاق وليس بموجب مماثل.
وهنا نرى أن عنفاً مزدوجاً يقع على المرأة أولاً لإلزامها بالطاعة وهو انتقاص من حريتها ومن إنسانيتها. فالطاعة هي مصادرة للإرادة وإفقاد للعنصر المعنوي لشخصية المرء وثانياً هذه الطاعة يقابلها الثمن النقدي وهو المهر.
وبكل أسف تتجه التطبيقات العملية إلى رفع مستوى العنف في هذه الأحكام حيث ولداوعٍ اجتماعية يتجاهل الكثيرون عند إجراء عقد الزواج مفهوم معجل المهر, ويعتمدون في العقد مبلغاً رمزياً أو هدية معنوية في أكثر الأحيان نسخة من القرآن الكريم أو درهماً من الفضة مما يسهل للزوج التقدم بدعوى الإطاعة.
ويكفي من هذه الدعوى اسمها لتشعر المرأة بالمذلة والإهانة وهي تواجه طلباً رسمياً بواسطة المحكمة يلزمها بإطاعة زوجها, والخضوع لرغباته مقابل إيداع معجل المهر وتأمين مسكن شرعي لها.
ويتسبب ما تعانيه المرأة أمام المحكمة برفع مستوى العنف الواقع على المرأة لدرجة أن الكثيرات من النساء يفضلن الرضوخ لمعاملة الزوج مهما كانت سيئة على الوقوف أمام المحكمة في دعوى إطاعة.
عدا ما ينعكس ذلك على صورتها الإنسانية أمام أولادها وأمام الغير فيتولد لديها الإحساس بالعجز وبالدونية القانونية والنفسية.
كما أن صفة ناشز والتي توصف بها المرأة التي ترفض الطاعة هي عبارة توحي بالعقاب الاجتماعي تشكل بحد ذاتها فعل عنف قانوني يقع على المرأة.
وهكذا تجد المرأة نفسها محاصرة بين حالتين من العنف إما الطاعة وإما النشوز دون أي خيار آخر.
وأمام الضغط العائلي والاجتماعي تفضل عندها المرأة الرضوخ والاستمرار بالحياة الزوجية رغم المهانة.
ومفهوم الطاعة يتفرع عنه مسلكية متكاملة يطلبها الزوج من الزوجة مثل السهر على خدمته وتأمين متطلباته الشخصية والخضوع لرغباته أياً تكن هذه الرغبات وعدم الاعتراض على أي شيء يقرره ويقوله الزوج إضافة إلى عدم حقها في التعبير عن إرادتها أو عن رغباتها.
وانعكس ذلك في قانون العقوبات الذي اعتبر اغتصاب الزوجة فعلاً غير مجرم.
كذلك تأديب الزوجة بالضرب أو التأنيب أو الإهانة فهذه مسلكيات تتفرع عن مفهوم الطاعة وتحمل أساساً عنفاً جسدياً ومعنوياً متأصلاً من ثقافة مجتمعنا.
-
الطلاق بإرادة الرجل المنفردة:
يتجلى العنف القانوني ضد المرأة في قوانين الأحوال الشخصية في وجهه الأوضح في قوانين الطلاق لدى الطوائف الإسلامية سواء في المذهب السني أو الجعفري أو الدرزي.
تنص أحكام الشرعة الإسلامية على مبدأ حرية الرجل المطلقة في تطليق زوجته وهنا نرى تناقضاًَ واضحاً بين التشدد في عقد الزواج وفرض شروط شكلية كمجلس العقد والشهود والولي إلى غير ذلك وبين إطلاق حرية الزوج في الطلاق دون أي إشارة إلى إرادة الزوجة رضاءً أو رفضاً وتحفظاً.
فقانون حقوق العائلة في مواده 102 إلى 109 وضع أحكام الطلاق وفي المادة 110 ألزمه بإعلام الحكام بطلاقه.
وهذا الحق يعتبره الفقه الإسلامي منحة إلهية للرجل, لا يجوز مناقشتها أو تعديل أو تطوير أحكامها.
فالطلاق كإنهاء للعلاقة الزوجية يفترض من حيث النظرة القانونية لإنهاء أي عقد من المفترض أن يتطلب توفر إرادة المتعاقدين, غير أن الطلاق يعتبر شذوذاً عن القاعدة, ويقع بمجرد أن يلفظ الزوج عبارة الطلاق أو ما يدل عليها وهنا يتحكم الرجل بظروف المرأة, فيبدأ بلعبة ابتزاز المرأة كي لا يطلقها.
فوفقاً للمذهب السني إن المادة 111 من قانون حقوق العائلة تنص على انه إذا طلق الرجل زوجته باللفظ الصريح بعد مقاربتها يقع الطلاق رجعياً, أما المادة 112 من نفس القانون فتنص على أن:
“الطلاق الرجعي لا يزيل الزوجية في الحال وللزوج حق إرجاع زوجته قولاً أو فعلاً ولا يسقط هذا الحق بالإسقاط“.
وتكمل المادة 113:
“إذا راجع الزوج في العدة فيكون قد أدام النكاح الموجود ولا حاجة لرضاء المرأة لذلك ولا يلزم مهر جديد“.
وهكذا تتعرض المرأة إلى ثلاث أنواع من الطلاق: الطلاق الرجعي والطلاق البائن والمخالعة. والحالات الثلاثة هي بإرادة الزوج المنفردة دون الحاجة لموافقتها أو لرأيها.
أما المذهب الجعفري فقد أضاف شرطاً وهو الشهود على الطلاق زلم يأخذ المذهب الجعفري بعدد الطلقات في الجلسة الواحدة.
أما عند الدروز فيتساوى الرجل والمرأة في طلب الطلاق سنداً لأحكام المادتين 47 و 48 من قانون الأحوال الشخصية للطائفة الدرزية.
“لا ينحل عقد الزواج إلا بحكم من قاضي المذهب.”
– التفريق:
وهو إنهاء العلاقة الزوجية بقرار من القاضي, أي عندما تطلب المرأة ذلك.
هذا من حيث التعريف القانوني, لكن من حيث التطبيق العملي فإن التفريق هو وجه من أوجه العنف القانوني عقاب اجتماعي ونفسي للمرأة لا يقل عنفاً عن أسبابه.
ومؤداه أن المرأة وعندما تصل العلاقة الزوجية إلى حد من السوء يستحيل معها استمرارها, بإمكانها أن تتقدم أمام القاضي الشرعي بدعوى تفريق.
ويمكن التفريق لسببين الشقاق والنزاع وعدم الإنفاق.
تتقدم المرأة بدعواها أمام القاضي الشرعي المختص طالبة منه التفريق بينها وبين زوجها بطلقة واحدة بائنة مستندة في حال الشقاق والنزاع إلى استحالة استمرار الحياة بينها وبين زوجها لسوء المعاملة والضرب والأذى والذي يكون قد وصل إلى درجة لا يمكنها تحملها وعليها أن تثبت الشقاق والنزاع بالشهود.
يقرر القاضي وبعد أخذ ورد طويلين, وبعد انقضاء فترة طويلة على تأسيس الدعوى وإبلاغ الزوج وحضور الجلسات يقرر القاضي تعيين حكمين لإجراء صلح بينهما أو للبحث في إمكانية استمرار الزواج وتحديد مسؤولية المسبب بالشقاق والنزاع.
بعد كل هذه الإجراءات يقرر القاضي, التفريق بين الزوجين قانونية
أما التفريق لعدم الإنفاق فعلى الزوجة أن تتقدم أولاً بدعوى تطالب فيها بالنفقة, وتنتظر لصدور حكم بالنفقة فإذا عجز الزوج عن الدفع بإمكانها أن تتقدم بدعوى تفريق لعدم الإنفاق.
وهذا يعني أن أمام المرأة الراغبة في إنهاء علاقتها الزوجية أن تنتظر سنوات وسنوات قبل حصول ذلك.
وهنا يشارك القاضي في سياسة العنف ضد المرأة, عندما يصدر مثلاً حكماً يقرر فيه إلزام الزوج بالحد الأدنى من النفقة, أي بمائة ألف ليرة مثلاً هذا إذا كانت النفقة للزوجة فقط وأحياناً لا تتعدى النفقة مئتي ألف ليرة للعائلة أي الزوجة والأولاد مهما كان عددهم.
إن مثل هذه الأحكام تسهل للزوج الخروج من وضعية عدم الإنفاق, خاصة وأن أي عائلة مهما كانت صغيرة لا تكفيها ما تقرره المحكمة من نفقة.
وهكذا يتمكن الزوج من دفع النفقة المقررة بالحكم بسهولة أكبر بكثير من الإنفاق الطوعي لأن الأخير يبلغ أضعافاً مضاعفة.
ويستحيل عندها على المرأة التي تعاني مع زوجها من البخل أو قلة الإنفاق رغم إمكانيات الزوج المادية أن تصل إلى حل إذ يمكنه التلطي بالقرار القضائي ويقوم بدفعه عن طيبة خاطر.
وتصبح معاناة الزوجة دون حل قانوني, فلا التفريق لعدم الإنفاق ينطبق على حالتها وليس بإمكانها أي حل.
-
إباحة تعدد الزوجات:
تبيح قوانين الأحوال الشخصية لدى المذهبين الحنفي والجعفري تعدد الزوجات دون أي شروط أو قيود أما المذهب الدرزي فقد منع تعدد الزوجات.
وهذا وجه من أوجه العنف الذي تعاني منه المرأة إذ ليس لها أي حق بالاعتراض أو بطلب الطلاق استناداً إلى هذا السبب.
ونجد أن قوانين كثيرة في المنطقة العربية قد وضعت بعض القيود على تعدد الزوجات لم يلحق قوانينا أي تغيير بهذا الاتجاه.
فالمرأة ودون أي علم سابق أو إخطار تجد نفسها نصف زوجة إذ تفاجأ بأن لزوجها زوجة أخرى وأولاد آخرين.
استناداً إلى الآية القرآنية:
“وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى, فانكحوا ما يطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع, فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة.”
وسورة النساء 129 ما حرفيتها:
“ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالملعقة وأن تصلحوا أو تتقوا فإن الله كان غفوراً رحيماً.”
وهكذا ما زالت التشريعات لدى الطائفتين السنية والشيعية تطلق حرية تعدد الزوجات دون قيد أو شرط.
-
الحضانة:
تدخلت النظريات التربوية الحديثة, والعلوم النفسية في كل ما يتعلق بمجتمع الطفل, سواء في البرامج التربوية أو النشاطات التعليمية والألعاب التثقيفية ما عدا ما يتعلق بأحكام الحضانة, فقد بقيت هذه بمنأى عن أي تطوير أو تحديث.
وفترة الحضانة تختلف المذاهب في تحديدها رغم توحيدها علمياً.
لـــذلك, يخضع أطفال لبنان كل بحسب طائفته إلى سن حضانة مختلف.
فوفقاً للمذهب الحنفي تنتهي سن الحضانة في السابعة للصبي والتاسعة للبنت.
أما لدى المذهب الشيعي فهي الثانية للصبي والسابعة للبنت.
أما طائفة الموحدين الدروز فهي السابعة للصبي والتاسعة للبنت.
وهكذا عند حصول الطلاق أو انتهاء عقد الزواج يسارع الزوج إلى الاستناد إلى الأحكام المذكورة أعلاه, وينتزع الطفل من أحضان أمه بطريقة انتقامية لا تأخذ بأي اعتبار مصلحة الولد ووضعيته النفسية والعاطفية, وما يمكن أن يلحق بالأطفال من أزمات نفسية وصحية.
ويسقط حق المرأة بحضانة أولادها إذا تزوجت.وهكذا يتحول هذا الحق إلى قيد لحريتها, فإن المبادئ الشرعية أسقطت حق الحضانة عن الأم إذا تزوجت أثناء فترة حضانتها لأطفالها وينتقل هذا الحق إلى الجدة أم الأم إذا وجدت أما إذا لم تكن موجودة فإلى أم الأب.
وينحصر حق الأم بعد زواجها بالمشاهدة فقط, أي مشاهدة أطفالها لساعات محددة أسبوعياً.
-
أحكام الإرث:
الإرث لدى الطائفة الإسلامية يتوزع على نوعين:
العصب أو أصحاب الفروض.
ويكون العصب هو ما يربطه نسب القرابة من جهة الذكورة أما أصحاب الفروض فإنهم غالباً النساء كالأم والزوجة والبنت أو البنتين وأكثر وفقاً للمذهب الحنفي وتفسير ذلك أن المرأة ترث وفقاً لنسبة محددة سلفاً, فهي كزوجة حصتها الثمن وكأم حصتها السدس.
والإيجابية التي تسجل للمذهب الجعفري بالنسبة لإرث البنت الوحيدة أي التي لا أشقاء لها فإن المذهب الجعفري يمنحها كافة التركة بعد أداء الفروض أما المذهب الحنفي فإنها تبقى صاحبة فرض أي النصف فقط وإذا كانوا الورثة بنتين وأكثر فإن لهما الثلثين ويبقى الثلث للعصبات أي للأقارب من جهة الذكورة الأعمام وأولادهم مهما ابتعدت الدرجات.
وتشترك المذاهب الإسلامية في تحديد حصة البنت بنصف حصة الذكر استناداً إلى النص القرآني “وللذكر مثل حظ الاثنين.”
ثالثاً: دور المحاكم في تجذير العنف القانوني.
1 – في اجـتهادات المحـاكـم
لا يمكن التعديل على اجتهادات المحاكم لتحسين وضع المرأة في قوانين الأحوال الشخصية.
أن الذهنية التي تتحكم بالقضاء الشرعي وبالقضاة الشرعيين تحمل من الثقافي الذكورية ما يزيد من درجة العنف ضد المرأة.
وسأورد فيما يلي المبادئ العامة لاجتهادات المحاكم في المواضيع المطروحة في هذه الدراسة.
2 – في دعـاوى الطـاعـة:
تشترط المحاكم لقبول دعوى الطاعة شرطان، الشرط الأول أداء معجل المهر والشرط الثاني تأمين مسكن للزوجة.
ويبين من الأحكام الصادرة أن القـاضي يكتفي بالنص الحرفي لعقد الزواج والذي كثيراً يذكر فيه أن قيمة المهر هي رمزية أي درهم من الفضة أو نسخة من القرآن الكريم. فيعتبر معجل المهر واصلاً.
بالنسبة للشرط الثاني، تكتفي المحكمة بالحد الأدنى للمسكن لتغييره شرعياً, دون مراعاة وضع المرأة الاجتـماعي والثـقافي والعـائلي.
3 – في دعاوى الطلاق والمهر:
تبين لما دراسة الأحكام الصادرة عن المحاكم الشرعية أن اجتهاد هذه المحاكم مستقر في قضايا الطلاق على مبدأ حرفية العقد بمعنى أن حقوق المرأة هي فقط ما هو مذكور في عقد الزواج ولا تتعرض المحاكم للعلاقة المادية إلى صلة أثناء الزواج.
فالمرأة العاملة والتي تساهم في تحقيق ثروة للعائلة لا تنظر المحاكم في حقوقها المالية الناشئة عن الشراكة الفعلية في الأموال المتكونة.
بل أكثر من ذلك، يسير الاجتهاد في المحاكم على مبدأ عدم تعديل القيمة النقدية للمهر. فمثلاً إذا كان عقد الزواج الحاصل في الثمانينيات ورغم انخفاض القيمة الشرائية للمهر المسمى في العقد, تلزم المحاكم بالمبلغ المسمى دون مراعاة لما أصبحت القيمة الشرائية له.
فمثلاً إن مهر المرأة التي تزوجت في السبعينات أو الثمانينات من القرن الماضي في حال طلاقها تنحصر حقوقها بما لا يزيد عن عشرات آلاف من الليرات اللبنانية كمهر مسمى ونفقة عدة لا تزيد عن الحد الأدنى للأجور وهكذا تخرج المرأة من العلاقة الزوجية بمبلغ لا يتجاوز خمسمائة ألف ليرة لبنانية في أقصى الأحوال.
4 – في دعاوى الحضانة:
إن الأحكام التي تصدر عن المحاكم الشرعية تبين وبشكل واضح أن المحاكم تجنح وبشكل واضح أن المحاكم تجنح وبشكل واضح مع الرجل دون مراعاة حق المحضون خاصة عند زواج المرأة الحاضنة لأطفالها, ففي حين يتمكن الزوج من الزواج ساعة يشاء حتى أثناء قيام الزوجة, نرى المرأة يقيد حقها بالزواج بإسقاط حقها في حضانة أطفالها وهذا أحد أوجه العنف القانوني اللاحق بالمرأة.
5- فـي دعاوى الإرث:
مع وضوح القواعد الإرثية لدى المذاهب الإسلامية نجد أن المحاكم الجعفرية تحرم الزوجة من عين الأرض الحالية ومن قيمتها وإنما ترث من قيمة ما ثبت عنها من ماء وشجر وخـلافـه…”
وهكـذا يضاف عنفاً جديداً على المرأة وهو حرمانها من بعض الإرث.
إضافة إلى ما يحصل وفقاً للعادات الاجتماعية التي تلزم المرأة بالتنازل عن ملكياتها العقارية كي لا تنتقل هذه الملكيات إلى خارج العائلة.
6 – في دعاوى الطلاق:
تعاني المرأة أمام المحاكم عنفاً إضافياً, يصنف في باب العنف القانوني, ففي دعاوى الطلاق بإرادة الزوج نرى أن المحاكم تستجيب لطلب الزوج في إيقاع الطلاق بمجرد تقدمه بالطلب وبالمقابل تعاني الأمرين عند تقدمها هي بدعوى التفريق والتي تستمر إجراءاتها فترات طويلة من الزمن لا تقل في أحسن الأحوال عن ثلاث سنوات.
أما وفقاً للمذهب الجعفري حيث لا يمكن للمرأة أن تتقدم بدعوى التفريق فإن حالات تبقى فيها المرأة ما يزيد عن عشر سنوات دون أن يبت بدعوى طلاقها.
7 – في موضوع النفقة:
إن الأحكام الصادرة عن المحاكم الشرعية بموضوع النفقة تعكس التوجه العام لهذه المحاكم وتبين أن المبالغ المعتمدة في هذه الأحكام هي بصورة عامة لا تفي بالحاجات الأدنى للعائلة.
وتتجلى هذه الوقائع في حالات تعدد الزوجات أو حالات الطلاق ونفقة الأولاد.
وتنتقل المرأة بشكل فجائي من مرحلة اليسر المادي أثناء قيام العلاقة الزوجية إلى مرحلة الحاجة الملحة التي تصل أحياناً إلى ما دون الفقر.
خلاصة:
في نهاية هذا البحث, الذي اقتصر على الأحكام الأساسية التي ترعى شؤون المرأة والتي تشكل برأينا عنفاً قانونياً بسبب ما تسببه للمرأة من تعرض لحريتها ولحقوقها الأساسية يضاف إليها ما تؤسس له هذه الأحكام من عنف مجتمعي وأسري أصبح ثقافة متكاملة في مجتمعاتنا, نرى انه لا بد من إعادة النظر بهذه القوانين وبهذه الأحكام.
ويتذرع المناوئون بهذا التوجه بحجتين:
الحجة الأولى تقول أن قوانين الأحوال الشخصية تتعلق بالدين وبالعبادة وبحقوق الله وهذه لا يمكن بحثها.
ورداً على هؤلاء نقول انه لا إكراه في الدين وأن كثيرون لا يطبقون أحكام الدين في كافة شؤون حياتهم ولا يمكن التدخل معهم انطلاقاً من انهم أحرار فيما يعلمون.
أما أن قوانين الأحوال الشخصية تتعلق بحقوق الله ,
فرداً على هؤلاء نقول أن القرآن الكريم هو شريعة متكاملة في جميع مواضيع الحياة وقد نص القرآن أحكامه في كل الأمور الحياتية سواءً التجارية أو المدنية أو الجزائية وكذلك الأحوال الشخصية.
وكما وضعت القوانين المدنية والتي تتعارض مع الشريعة الإسلامية ولا تلتزم بها ونذكر على سبيل المثال لا الحصر.
-
قانون التجارة وتحديداً الفوائد القانونية.
فالشريعة الإسلامية تحرم الفوائد على المال, لكن القوانين المدنية تركت الخيار للمواطن إما باعتماد القانون المدني وحصوله على فائدة لماله أو الالتزام بما يلتزم به من أحكام شرعية وتخليه عن الفوائد القانونية.
كذلك في قانون العقوبات, فأحكام الشريعة الإسلامية تنص على أنواع من العقاب كالجلد وقطع اليد للسارق غبر أن قانون العقوبات المطبق نرى انه لا يلتزم بهذه الأحكام انسجاماً مع نظامنا الدستوري كبلد يضمن حرية الاعتقاد.
ونذكر هنا المادة التاسعة من الدستور اللبناني التي جاء فيها “حرية الاعتقاد مطلقة والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على أن لا يكون في ذلك إخلال في النظام العام وهي تضمن للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية.”
وإننا نرى أن هذه المادة من الدستور كما تكفل للجميع نظام أحوالهم الشخصية فهي تشمل في حمايتها من يختار نظاماً مدنياً لأحواله الشخصية وتفرض وجود نظام خاص بهؤلاء ليتمكنوا من اختياره في بلدهم دون الاضطرار إلى السفر إلى بلد أجنبي لممارسة حريتهم بالاختيار.
سيما وانه يتم التهرب من الأحكام الشرعية عندما تكون في مصلحة الرجل, والأمثلة على ذلك كثيرة.
فذكر مهر رمزي في عقد الزواج كما هو شائع درهم من الفضة او نسخة من القرآن الكريم او ليرة لبنانية واحدة.
او ما يحصل عند زوال القيمة الحقيقية لمهر المرأة بعد انقضاء زمن على زواجها فيصبح فعلياً كأنه غير موجود.
وأكثر الحالات شيوعاً هي حالة تنازل المرأة عن حقها بالإرث لمصلحة الذكور من الورثة سواءً أكانوا أبناء او أشقاء.
وهذه الحالات تشكل مثلاً حياً عما تعانيه المرأة من عنف مادي مباشر.
رابعاً: اقتــراحــات:
أمام هذا الواقع والذي برأينا يضيف أزمة إلى أزمات بلدنا السياسية والاجتماعية لا بد من السعي إلى مخرج ولو جزئي.
ولأن إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية اختياري مستندين إلى المادة التاسعة من الدستور اللبناني يشكل باعتقادنا خرقاً في جدار الطائفية البغيضة المحيطة بهذا الوطن المنكوب بها.
بل يشكـل حجراً أساسياً في بناء وطن علماني نطمح إليه, لا بد من السعي لتحقيقه بكـافة الوسـائل.
وبانتظار ذلــــك،
لا بد من السعي لإدخال بعض التعديلات إلى قوانين الأحوال الشخصية والتي برأينا لا تمس المقدسات ولا تتعرض لمبادئ الشريعة التي هدفت إلى حماية العائلة وحماية حق المرأة بالمقارنة مع ما كان سائداً قبلها.
وهــذه التعـديلات هي:
-
اعتبار الحقوق المادية للزوجة خارجة عن صلاحية القضاء الشرعي.
-
توحيد سن الحضانة ورفعه إلى سن الرشد أي الثـامنة عشر.
-
إنشاء مكتب حماية الأسرة تابع لوزارة الشؤون الاجتماعية مهمته دراسة الحالة الاجتماعية للعائلة ووضع تقرير ملزم للمحاكم الشرعية في أحكامها.
-
إقرار حق المرأة الحاضنة لأولادها بـبيت الزوجية,
إننا نرى أن حصر صلاحية المحاكم الشرعية بالنظر بعقد الزواج وجوداً وانحلالاً وانتهاءً وإيلاء حق النظر في مفاعيل انتهاء العقد أي الطلاق والحضانة والنفقة إلى القضاء المدني نظراً لما يتمتع به هذا الأخير من جرأة في الاجتهاد وانفتاح عقلي وثـقافي ومستوى علمي وقانوني يمكنه من تحقيق عدالة إنسانية تواكب الحياة الاجتماعية بتطوراتها وتعقيداتها وتحقق للمرأة وللمجتمع حداً أكبر من الضمانات الإنسانية.
كما أننا نرى وجوب تدخل الدولة بشكل أكبر في هذه المواضيع لما يحققه تدخلها من مردود إيجابي في بناء الأسرة واستقرار المجتمع وتنميته.
والتزاماً من الدولة اللبنانية باتفاقية إلغاء جميع أنواع التمييز ضد المرأة, لا بد أن تخطو الدولة خطواتها بهذا الاتجاه.
“إن الحق والعنف يبدوان لنا كنقيضين إلا أن الواحد منهما نشأ عن الآخر لقد مثل الحق دائماً في مبدئه إقصاء العنف, وأعتقد دوماً أن العنف لا يمكن أن يوجد إلا خارج الحق, وعد الحق وفضاً دائماً للعنف وهو الكفيل بإزالته, إن القانون يمثل من دون شك أنجح وسيلة للاحتماء من العنف الذي لا ينتهي. إن مبدأ عدالة وحق ثابتين يحرر البشر من العنف.”
“علينا أن نعرف حقوقنا وعلينا أن نؤمن بأن ثمة ما هو ثابت بصورة نهائية هو أن للإنسان حقوقاً لأنه إنسان وأنه يجب أن يكون حراً وان يتساوى في الحقوق مع أي انسان آخر بقطع النظر عن اختلافه في اللون, الجنس, العقيدة, الانتماء و….
علينا أن نعرف أن الحقوق التي صيغت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هي حقوقنا, يكفي أن نعرف حقوقنا حتى نرفض أن نعيش بالشكل الذي نعيشه حتى الآن…”(1)
(1) مجلة عالم الفكر العدد رقم 4 المجلد 31 أبريل _ يونيو 2003
الحق كإقصاء للعنف للكاتب الدكتور عبد الرحمن التليل
خامساًً: المراجع:
-
الاحوال الشخصية– بشير البيلاني.
-
الاحوال الشخصية في التشريع والتطبيق– عبدو يونس.
-
الاحوال الشخصية في المذاهب– بدران بدران.
-
قانون حقوق العائلة.
-
قانون تنظيم القضاء السني والجعفري الصادر بتاريخ 16/ 7/ 1962.
قانون الاحوال الشخصية للطائفة الدرزية 24/ 2/ 1948
الدراسة الثالثة
دراسة حول الاطـار التشـريعي لمسـألة العنـف ضـد المـرأة
فـي قانـون العقوبـات ومقارنتـه بالتشـريعات الدوليـة
المحامية الاستاذة
ندى خليفة
توطئة
المقدمة
أولاً: التشريعات الدولية المتعلقة بالعنف ضد المرأة.
ثانياً: التشريع اللبناني في مجال مكافحة العنف ضد النساء.
1 – موقف لبنان من الصكوك الدولية
2 – الأسباب الموجبة لتعديل بعض مواد قانون العقوبات
3 – تعديل أحكام قانون العقوبات
أ – في ضرب وإيذاء المرأة قصداً
ب – في جرائم الاغتصاب
ج – في جرائم الشرف
د – في جرائم الزنى
ه – في أحطام الاجهاض
ثالثاً: في المقترحات
1 – على صعيد قانون العقوبات
2 – على الصعيد الوطني
رابعاً: المراجع:
المقدمة :
ان العنـف الممـارس ضـد المـرأة هـو ظاهـرة عالميـة إذ نجـده فـي كـل المجتمعـات الانسـانية ، فحتـى المجتمعـات المتطـورة التـي تتغنـى بحقـوق الانسـان وترفـع شـعار المسـاواة لا تـزال تعيـش حالـة عنـف ضـد النسـاء .
إلا إن للعنـف فـي المجتمعـات العربية خصوصيـات عديـدة تجعـل النظـرة الـى العنـف نظـرة متسـاهلة ومتقبلـة للأسـباب التاليـــة :
1 – إن العنف يتستر تحت غطـاء مفاهيم دينيـة خاطئـة بحيث يتـذرع البعض لتبرير العنف ضد المـرأة الـذي لا يقبـل به اي ديـن سمـاوي بالآيـة الكريمـة :
” واللاتـي تخافـون نشـوزهن فعظوهن واهجروهـن فـي المضاجع واضربوهن فـإن أطعنكم فـلا تبغـون عليهـن سـبيلاً ” (سـورة النسـاء آيـة رقـم 34) .
2 – إن العنـف محلـل ومسـموح بـه اجتماعيـاً فـي الاسرة فـي المؤسسـة وفـي الشارع إذ دائماً تعتبـر المرأة مسـؤولة بسـلوكها عـن العنف الممـارس عليها .
3 – إنتفـاء أي ضمانة أو تشـجيع لتقـدم المرأة المعنّفـة على مراجعة القضاء المختص وذلـك بسـبب خشيتها مـن أي ردة فعـل كمثل الانتقام أو الفضيحة أو اللامبالاة .
4 – وامـا الخصوصيـة الرابعـة وهـي الأخطـر والتـي تميـز المجتمعـات العربيـة عـن سـواها مـن المجتمعـات المتقدمـة هـو تضمـن القوانيـن مـا يبيـح العنـف ضـد المـرأة إذ تخضـع النسـاء للعنـف بسـبب القوانيـن ابتـداءً مـن قانـون الجنسـية مروراً بقانـون العقوبـات وانتهـاءً بقوانيـن الأحـوال الشـخصية حيـث يتـم قوننـت أفظـع أشـكال التمييـز ضـد المـرأة وهـذا مـا يـؤدي الـى تفاقـم وتنامـي العنـف ضـد المـرأة .
وهذا مـا يشـير اليـه قانـون العقوبـات موضـوع دراسـتنا فـي مواد عـدة .
بعـد تحديـد مفهـوم العنـف ضـد المـرأة فـي التشـريعات الدوليـة سـنقوم باسـتعراض نصـوص قانـون العقوبـات التـي تبـرر العنـف ضـد النسـاء وتقييـم الوضـع الفعلـي للمـرأة وصـولاً لاقتـراح التعديـلات المناسـبة علـى النصـوص المجحفـة بحـق المـرأة وتخصيـص مـادة فـي قانـون العقوبـات تتنـاول العنـف العائلـي علـى وجـه التحديـد .
أولاً – التشـريعات الدوليـة المتعلقـة بالعنـف ضـد المـرأة
إن العديـد مـن المواثيـق والقـرارات الدوليـة والوثائـق السـياسـية وهيئـات الأمـم المتحـدة المنشــأة بموجـب معاهـدات تناولـت بصـورة مباشــرة أو غيــر مباشـرة مسـألة العنـف ضـد المـرأة نذكــر منهـــا:
1 – الإعـلان العالمـي لحقـوق الانسـان الصـادر عـام 1948 والـذي شـارك لبـنان فـي وضعـه تنـاول العنـف باعتبـاره إنكـاراً ومسـاً بكرامـة المـرأة إذ جـاء فـي ديباجتـه ان ” الاقـرار بمـا لجميـع أعضـاء الأسـرة البشـرية مـن كرامـة أصيلـة فيهـم ومـن حقـوق متسـاوية وثابتـة يشـكل أسـاس الحريـة والعـدل والسـلام فـي العالم” .
ويضيـف فـي مادتـه الأولـى ” ان جميـع النـاس يولـدون أحـراراً ومتسـاوين فـي الكرامـة والحقـوق ” .
2 – ونذكـر أيضـاً فـي هـذا المجـال العهديـن الدولييـن الأول الخـاص بالحقـوق المدنيـة والسـياسـية والثانـي الخـاص بالحقـوق الاقتصاديـة والاجتماعيـة والثقافية تعرضا بدورهمـا الـى مسألة العنف بصفـة غيـر مباشرة إذ نصا فـي ديباجتهمـا ” ان الحقـوق تنبثـق مـن كرامـة الانسـان الأصيلـة فيـه ” وان لبـنان وقـع علـى هـذين العهديـن دون إبـداء أي تحفظ عليهمـا .
وسـواهم مـن الاتفاقيـات التـي نصـت علـى العديـد مـن الحقـوق ذات أهميـة بالغـة لحمايـة المـرأة مـن العنـف منهـا الحـق فـي الحيـاة والحريـة والأمـن الشـخصي ومنـع التعذيـب والمعاملـة أو العقوبـة القاسـية أو اللإنسـانية أو المهينـة ، والحريـة مـن الاسـترقاق والعبوديـة والحمايـة علـى قـدم المسـاواة بموجـب القانـون والمسـاواة فـي الـزواج والعلاقـات العائليـة والحـق فـي مسـتوى معيشـي لائـق والحـق فـي أعلى مستوى مـن الصحة البدنيـة والعقليـة .
3 – اتفاقيـة القضـاء علـى جميـع اشـكال التمييـز ضـد المـرأة .
رغـم تنـاول هـذه الاتفاقيـة علـى وجـه التحديـد حمايـة حقـوق المـرأة وتعزيزهـا علـى كافـة الأصعـدة فـإن مسـألة العنـف القائـم علـى الجنـس لـم تلقـى معالجـة مباشـرة فـي الاتفاقيـة ،
إلا ان لجنـة القضـاء علـى جميـع أشـكال التمييـز ضـد المرأة وهـي الهيئـة المنبثقـة عـن الاتفاقيـة لرصـد تنفيذهـا ، عمـدت الـى إصدار توصيات عامـة مفصلـة وشـاملة للدول الأطراف حـول تطبيـق الاتفاقيـة فـي الحـالات الخاصة ، وان هـذه التوصيات تعتبـر جزءاً لا يتجـزأ مـن الاتفاقية .
ففـي العـام 1989 تبنـت اللجنـة التوصيـة رقـم 12 التـي بموجبهـا طلبـت مـن الـدول الأطـراف ان تضمـن تقاريرهـا المقدمـة أمامهـا معلومـات حـول التشـريع المعمـول بـه لحمايـة المـرأة مـن حـوادث العنـف بكـل أنواعهـا فـي الحيـاة اليوميـة (بمـا فـي ذلـك العنـف الجنسـي والاسـاءات داخـل الاسـرة والتحـرش الجنسـي فـي مكـان العمـل …) والتدابيـر المتخـذة للقضـاء علـى مثـل هـذا العنـف وضـرورة وجـود الخدمـات المسـاندة للنسـاء وضحايـا الاعتـداءات أو الانتهـاكات ،
كمـا طالبـت الـدول بإجـراء إحصائيـات حـول أحـداث العنـف بكـل أنواعهـا وحـول النسـاء ضحايـا العنـف .
ومـا يتسـم بأهمية فائقـة هـو تبني اللجنة المعنيـة بالقضاء علـى التمييـز ضـد المرأة فـي العـام 1992 التوصية رقـم 19 التـي بموجبها أكدت ان العنف ضد المرأة شكل مـن أشـكال التمييـز ضد المرأة بالمعنى المقصود فـي المادة 1 مـن الاتفاقية ، وأن التمييز ضد المرأة سـبب رئيسي مـن أسـباب هذا العنـف ،
واعتبـرت بموجـب هـذه التوصية أن العنـف القائـم علـى أسـاس الجنـس يكبـح علـى نحـو جسـيم قـدرة المـرأة على التمتـع بحقوقهـا وحرياتهـا علـى أسـاس المسـاواة مـع الرجـل .
وان التطبيـق الكامـل للإتفاقيـة يتطلـب مـن الـدول أن تتخـذ تدابيـر ايجابيـة للقضـاء علـى جميـع أشـكال العنف ضـد المـرأة .
وأكـدت اللجنـة فـي هـذه التوصيـة ان خـرق بعـض أحكـام الاتفاقيـة ينطـوي علـى العنـف ضـد المـرأة بغـض النظـر عمـا إذا كـان منطـوق هـذه الأحكــام ينـص بصـورة صريحـة علـى العنــف ومنهــا المـواد (1 ، 2 ، 3 ، 5 ، 6 ، 10 ، 11 ، 12 ، 14 و 16) .
كمـا طلبـت اللجنـة مـن الـدول الأطـراف أن تتخـذ جميـع التدابيـر اللازمـة والفعّالـة لمنـع العنـف القائـم علـى الجنـس وتشـمل هـذه التدابيـر عقوبـات وسـبل انتصـاف مدنيـة ونصـوص تعويضيـة وكذلـك تدابيـر وقائيـة وتدابيـر للحمايـة .
4 – القـرار 48/104 تاريـخ 20/12/1993 الصادر عـن الجمعيـة العامـة الـذي كـان لهـا الجهـد الكبيـر فـي مكافحـة جميـع أشـكال العنـف ضـد المـرأة بحيث اعتمـدت بموجب هـذا القرار إعـلان القضاء علـى العنف ضـد المرأة .
وتنـص المـادة 1 مـن الاعـلان علـى ان تعبيـر – العنـف ضـد المـرأة – يعنـي ” أي فعـل عنيـف تدفـع اليـه عصبيـة الجنـس ويترتب عليـه أو يرجـح أن يترتـب عليـه ، أذى أو معانـاة للمـرأة ، سـواء مـن الناحيـة البدنيـة أو الجنسـية أو النفسـية ، بمـا فـي ذلـك التهديـد بأفعـال مـن هـذا القبيـل أو القسـر أو الحرمـان مـن الحريـة ، سـواء حـدث ذلـك فـي الحيـاة العامـة أو الخاصـة ” .
وتوضـح المـادة 2 أن العنـف ضـد المـرأة يشــمل علـى ســبيل المثـال لا الحصـر العنـف البدنـي والجنسـي والنفسـي الـذي يحـدث فـي إطـار الأسـرة ، والـذي يحـدث فـي إطـار المجتمـع العـام والـذي ترتكبـه الدولـة أو تتغاضـى عنـه ، أينمـا وقـع .
كمـا ينـص الاعـلان علـى الاجـراءات التـي يجـب ان تتخذهـا الـدول والمجتمع الدولـي لضمـان القضـاء علـى جميـع إشـكال العنـف ضـد المرأة سـواء حدثـت فـي الحيـاة العامـة أو الخاصـة وتضمين الدول تقاريرهـا معلومـات عـن العنف ضـد المرأة والتدابيـر المتخذة لتطبيـق مـواد الاعلان .
5 – إعـلان وبرنامـج عمـل فيينـا اللـذان اعتمدهمـا المؤتمـر الدولـي لحقـوق الانسـان المنعقـد فـي فيينـا فـي 25 حزيـران 1993 وأكـد المؤتمـر علـى عالميـة حقوق المرأة باعتبارهـا حقوق إنسـان وتنـاول مسـألة العنف ضـد المرأة واعتبره انتهاكـاً لحقوق النسـاء ومسـاً بكرامتهن وتمييـزاً مسـلطاً عليهن وكـان لمؤتمـر فيينـا الأثـر الكبيـر فـي تسـريع صدور إعلان القضـاء علـى العنـف ضـد المرأة وفـي تعييـن لجنـة حقوق الانسـان سـنة 1994 مقـرراً خاصـاً بشـأن العنـف ضـد المـرأة وأسـبابه وعواقبـه .
6 – إعـلان ومنهـاج عمـل بيجيـن اللـذان اعتمدهمـا المؤتمـر العالمـي الرابـع للمرأة المنعقـد فـي بيجيـن سـنة 1995 بحيـث عيّـن منهـاج عمـل بيجيـن 12 مجـالاً هامـاً مـن مجالات القلـق التـي تسـتدعي اتخـاذ تدابيـر ملحّـة لتحقيق المسـاواة والتنميـة والسـلم ، وأحـد هـذه المجالات العنف ضـد المرأة .
7 – العديـد مـن القـرارات الدوليـة الحديثـة التـي تناولـت شـتى جوانـب العنـف ضـد المـرأة :
-
قــرار الجمعيـة العامــة للأمـم المتحـدة رقـم 59/166 بشـأن الإتجـار بالنسـاء والفتيـات .
– قـرار الجمعيـة العامـة رقـم 52/86 بشـأن تدابيـر منـع الجريمـة والعدالـة الجنائيـة للقضـاء علـى العنـف ضـد المـرأة .
-
قـرار الجمعيـة العامــة للأمـم المتحـدة رقــم 60/139 بشـأن العنـف ضـد العامـلات المهجـرات .
-
قـرار الجمعيـة العامـة للأمـم المتحـدة رقـم 56/128 بشـأن الممارسـات التقليديـة أو العرفيـة التـي تؤثـر علـى صحـة المـرأة والبنـت .
-
قــرار الجمعيـة العامـة للأمـم المتحـدة رقــم 58/147 بشـأن القضـاء علـى العنـف العائلـي ضـد المـرأة .
– قـرار الجمعية العامـة للأمـم المتحدة رقـم 59/165 بشـأن ” العمـل مـن أجل القضـاء علـى الجرائـم المرتكبـة ضـد النسـاء والفتيـات بإسـم الشـرف ” .
-
قـرار مجلـس الأمـن 1325 الصـادر سـنة 2000 المتعلـق بالمـرأة والسـلم والأمـن الـذي تنـاول مسـألة العنـف ضـد المـرأة فـي أوضـاع الصـراع المسـلح وهـو يرمـي الـى اتخـاذ تدابيـر خاصـة لحمايـة النسـاء والفتيـات مـن العنـف القائـم علـى الجنـس فـي الصـراع الملـحّ .
8 – تقريـر الأميـن العـام الصادر فـي دورة الجمعية العامـة الحاديـة والسـتون والمعنـون ” دراسـة متعمقـة بشـأن جميـع أشـكال العنـف ضـد المـرأة ” .
بحيـث صـدر وللمـرة الأولـى عـن الجمعيـة العامــة تكليـف الـى الأميـن العـام بإجـراء دراسـة متعمقـة وشـاملة حـول هــذه المسـألة (قـرار رقــم 58/185) علـى أن يقـدم علـى أسـاسـها تقريـراً موجـزاً لحالـة الأعمـال التحضيريـة المتعلقـة بالعنـف ضـد المـرأة .
فصـدر التقريـر الموجـز عـن الاميـن العـام المعنـون ” العنـف ضـد المـرأة ” بتاريـخ 10/8/2005 مبـرزاً سـياق الدراسـة وقيمتهـا وأهدافهـا ونطاقهـا ومسـتعرضاً للأنظمـة التحضريـة الجاريـة والمخططـة.
وبتاريـخ 6/7/2006 صـدرت هـذه الدراسـة التـي تناولـت مسـألة العنـف مـن جميـع الجوانب بـ 154 صفحـة بالاضافة الـى 31 صفحة حواشـي وهي تشـكل الاطار اللازم والواضح للتحيل والعمل على الصعيدين الوطني والدولـي.
إذ تـمّ اسـتعراض بموجـب هـذه الدراسـة كافـة أشـكال العنـف ضـد المـرأة ومظاهـره، أسـباب العنـف وعواقبـه ، مسـؤوليات الدولـة، جمـع الاحصـاءات والبيانـات بشـأن جميع أشـكال العنـف ضـد المـرأة، الممارسـات الجيـدة فـي مجـال التصـدي للعنـف ضـد المـرأة، وخلصـت هـذه الدراسـة الـى جملـة مـن التوصيـات علـى الصعيديـن الوطنـي والدولـي والتـي تشــكل اسـتراتيجية واضحـة لكافـة الـدول الأعضـاء فـي منــع العنـف ضـد المـرأة والقضـاء عليـه .
ثانيـاً – التشـريع اللبـناني فـي مجـال مكافحة العنف ضـد النسـاء
-
موقـف لبـنان مـن الصكـوك الدوليـة
صـدق لبـنان علـى اتفاقيـة القضـاء علـى جميـع اشـكال التمييـز ضـد المـرأة بموجـب القانـون رقـم 572 تاريـخ 24/7/1996 .
ورغـم مـا تحتلـه هـذه الاتفاقيـة مـن مكانـة هامـة بيـن الاتفاقيـات الدوليـة إذ جـاءت شـاملة وجامعـة لكافـة حقـوق المـرأة وتكـرس المسـاواة بيـن الجنسـين فـي المجتمـع وداخـل العائلـة .
فـإن لبـنان أبـدى تحفظات علـى العديد مـن موادهـا المتعلقة بالمساواة فـي قانون الجنسية وعلـى الفقرة (1) ، (ج) ، (د) ، (و) و (ز) المتعلقة بالمساواة في قانون الأسرة .
ان التحفظـات التـي أبداهـا لبـنان علـى المـادة 16 مـن الاتفاقيـة والمتعلقـة بالمسـاواة علـى صعيـد الأسـرة تؤثـر سـلباً وبصـورة حاسـمة علـى إحقـاق المسـاواة بيـن المـرأة والرجـل وتبقـي المـرأة سـجينة الانمـاط الاجتماعيـة والثقافيـة والتقليديـة السـائدة وتؤكـد مسـؤولية الدولـة وغيـاب الارادة السـياسـية لإلغـاء التمييـز ضـد المـرأة وانعـدام الجهـود الحقيقيـة الراميـة الـى التوعيـة والحـد مـن العنـف الممـارس علـى النسـاء والفتيـات .
وإن اللجنـة المعنيـة بالقضـاء علـى التمييـز ضـد المـرأة فـي تعليقاتهـا علـى تقريـري لبـنان الأولـي والـدوري الثانـي المقدميـن أمامهـا أعربـت عـن قلقهـا إزاء اسـتمرار العنـف الممـارس ضـد المـرأة والبنـت فـي لبـنان بمـا فـي ذلـك العنـف الاسـري والاغتصـاب والجرائـم التـي ترتكـب بإسـم الشـرف .
وحثّـت الدولـة اللبـنانية علـى أن تمنـح الأولويـة لاعتمـاد نهـج شـامل مـن أجـل معالجـة العنـف ضـد المـرأة والبنـت مـع أخـذ التوصيـة العامـة 19 فـي الاعتبـار وتعديـل مـواد قانـون العقوبـات المتضمنـة عنفـاً ضـد النسـاء واعتمـاد قانـون محـدد بشـأن العنـف ضـد المرأة بمـا فـي ذلـك العنـف الأسـري يتيـح للمرأة والبـنت مـن ضحايـا العنـف امكانيـة الحصول علـى الحماية والانصاف الفعّـال وكفالـة فعاليـة تقديـم مرتكبـي هـذه الأفعـال الـى المحاكمـة ومعاقبتهـم .
كمـا رأت اللجنـة فـي تعليقاتهـا الختاميـة هـذه ان التحفظـات علـى المادتيـن 9 و 16 تتعـارض مـع الهـدف مـن الاتفاقيـة وقصدهـا .
وحثّـت اللجنـة الدولـة اللبـنانية علـى التعجيـل بالقيـام بالخطـوات اللازمـة للحـد مـن تحفظاتهـا علـى الاتفاقيـة تمهيـداً لسـحبها فـي نهايـة المطـاف وعلـى إدراج اتفاقيـة القضـاء علـى جميـع إشـكال التمييـز ضـد المـرأة ضمـن الصكـوك الدوليـة لحقـوق الانسـان المدرجـة فـي مقدمـة الدسـتور وعلـى أن تصـدق علـى البروتوكـول الاختيـاري الملحـق بالإتفاقيـة .
وان اللجنـة الوطنيـة لشـؤون المـرأة اللبـنانية المكلفـة مـن الدولـة اللبـنانية بإعـداد التقاريـر الرسـمية المقدمـة أمـام اللجنـة المعنيـة بالقضـاء علـى التمييـز ضـد المـرأة اعترفـت فـي تقريرهـا الرسـمي الثالـث رداً علـى تعليقـات اللجنـة ان الطريـق للوصول الـى المسـاواة الكاملـة محفوف بالصعوبات لأسـباب عديدة منهـا ان بعـض الممارسـات التمييزيـة متجـذرة فـي العـادات والأعـراف الثقافيـة الأمـر الـذي يجعلهـا تبـدو اعتياديـة بالإضافـة الـى هيمنـة ثقافـة العيـب والتسـتر علـى الأخطـاء التـي ترتكـب داخـل الأسـرة وخضـوع الأشـخاص لقوانيـن وتشـريعات طائفيـة ومذهبيـة تعيـق مسـيرة المسـاواة نظـراً لكـون أي تعديـل فـي هـذه القوانيـن يثيـر الحسـاسـيات الطائفيـة .
كمـا أكـدت اللجنـة الوطنيـة علـى تضمـن عـدد مـن القوانيـن مـواد تمييزيـة ومنهـا بعـض أحكـام قانـون العقوبـات التـي مـا زالـت تعانـي المـرأة اللبـنانية بموجبهـا مـن التمييـز .
-
الأسـباب الموجبـة لتعديـل بعـض مـواد قانـون العقوبـات
ان تعديـل قانـون العقوبـات اللبـناني فـي عـدد مـن المـواد المتعلقـة بالمـرأة انمـا هـو ينـدرج تحـت الأسـباب الموجبـة التاليــة :
أ – تطبيـق أحكـام المواثيـق الدوليـة التـي التزمـت بهـا الدولـة اللبـنانية والتـي تعلـو أحكامهـا علـى القوانيـن الداخليـة عمـلاً بنـص المـادة 2 مـن قانـون أصـول المحاكمـات المدنيـة ،
فضـلاً عـن ان الدسـتور نفسـه أقـرّ مبـدأ المسـاواة بيـن الجنسـين دون تمايـز أو تفضيـل .
ب – الفـارق الزمنـي الواسـع بيـن تاريـخ إقـرار هـذا القانـون وبيـن تاريخنـا الحاضـر بمـا يشـكل مسـافة زمنيـة تضمنـت تغييـرات جزريـة فـي البيئـة والمجتمـع وتبدلـت خلالهـا المفاهيـم تجـاه النظـرة الـى المـرأة ومشـاركتها للرجـال فـي الحقـوق والوجبـات دون تفاضـل وتمايـز .
ج – التوجـه بالقانـون نحـو السـمو والرقـي أسـوةً بالـدول المتقدمـة والتـي طـورت قوانينهـا انسـجاماً مـع المواثيـق الدوليـة لا سـيما جهـود الأمـم المتحـدة الراميـة الـى إحقـاق مسـاواة كاملـة بيـن المـرأة والرجـل ومكافحـة جميـع إشـكال العنـف ضـد المـرأة .
د – نقـل المجتمـع مـن الحـالات الضيقـة الـى رحـاب القانـون المدنـي الشـامل بمـا يعنـي التحـرر مـن الأنظمـة الابويـة وسـيادة الذكـورة والعـادات القاسـية التـي تنتقـص مـن حقـوق المـرأة وكرامتهـا .
هـ– إرسـاء حالـة متقدمـة ومدنيـة مـن المسـاواة بيـن المـرأة والرجـل بفعـل رسـوخ المسـاواة فـي عالـم الأعمـال والاجتمـاع والاقتصـاد .
و – نقـل مبـدأ العقـاب مـن الفـرد الـى المجتمـع وبالتالـي إلغـاء حـالات الانتقـام والثـأر الشـخصي تحـت سـتار الكرامـة الذكوريـة أو المبـادىء الاجتماعيـة أو الشـرعية وذلـك حتـى يكـون القضـاء المدنـي هــو المرجـع الوحيـد فــي معاقبـة كــل مـن يأتـي أفعـال مخالفـة للقانـون أكـان زوجـاً أو زوجـة أو شـقيقاً أو شـقيقة أو سـواهم .
ز – أصدرت اللجنة المعنية بالقضاء علـى التمييـز ضـد المرأة بتاريـخ 22/7/2005 توصيـات أبلغـت مـن الحكومـة اللبـنانية طالبتهـا بموجبهـا وضـع اسـتراتيجية تشـمل أهدافـاً محـدد موعـد تحقيقهـا بغيـة إجـراء اسـتعراض وتنقيـح منهجيـن لجميـع القوانيـن تحقيقـاً لانسـجامها بالكامل مـع الاتفاقيـة .
كمـا طالبـت اللجنـة الدولـة اللبـنانية اعتمـاد نهـج شـامل مـن أجـل معالجـة العنـف ضـد المـرأة والبنـت وتعديـل كافـة القوانيـن المتضمنـة عنفـاً ضـد النسـاء لا سـيما المـادة 562 مـن قانـون العقوبـات اللبـناني التـي تتيـح تحفيـف العقوبـة المتعلقـة بجرائـم الشـرف والـى اعتمـاد قانـون محـدد بشـأن العنـف ضـد المرأة بمـا فـي ذلـك العنـف الأسـري .
إلا ان الدولـة اللبـنانية مـا زالـت متقاعسـة عـن تطبيـق هـذه التوصيـات .
وسـنقوم باسـتعراض مـواد قانون العقوبـات لإسـتخلاص مـدى الحماية التـي يوفرهـا القانـون للمرأة المعنفة ومـدى التمييز الذي يلحقـه بهـا قانون العقوبات حيـن يتناول أفعـالاً جرمية معينة وكيفية إلغـاء هـذا التمييز لمصلحة المسـاواة .
3- تعديـل أحكـام قانـون العقوبـات
أ – فـي ضـرب وايـذاء المـرأة قصـداً
إن قانـون العقوبـات اللبـناني لـم يفـرد أي مـادة خاصـة بالعنـف ضـد النسـاء إذ هـو لا يميـز بيـن العنـف ضد المرأة والعنـف ضد الافراد بوجـه عـام ، وان تعـرض المـرأة للضـرب أو العنـف يخوّلهـا التـذرع بأحكـام المـواد 554 ومـا يليهــا مـن قانـون العقوبـات التـي تحـدد العقوبـة والغرامـات تبعـاً لدرجـة الأذى الملحقـة سـواء بالمـرأة أو بالرجـل .
ورغـم تجريـم فعـل الضـرب والعنـف تجـاه أي إنسـان وذلـك بصـورة صريحـة فـي قانـون العقوبـات ، فـإن بعـض الفقهـاء يتذرعـون بنـص المـادة 183 عقوبـات لتبريـر حـق الزوج المسـلم فـي تأديب زوجتـه فعملاً بنـص هـذه المـادة ” لا يعـد جريمـة الفعـل المرتكـب فـي ممارسـة حـق بغيـر تجـاوز ” .
وبمـا ان حـق الـزوج فـي تأديـب زوجتـه هـو مسـتمد مـن الشـريعة الإسـلامية التـي تعتـرف للـزوج بحـق تأديـب زوجتـه وفقـاً لمـا جـاء فـي القـرآن الكريـم ” واللاتـي تخافـون نشـوزهن فعظوهـن واهجروهـن فـي المضاجـع واضربوهـن … ” (سـورة النسـاء – آيـة 24) ،
ممـا يسـتتبع ذلـك حتمـاً (دائمـاً بحسـب البعـض مـن الفقهـاء) اعتـراف المشـترع اللبـناني بهـذا الحـق بالنسـبة للأشـخاص وفـي النطـاق الـذي تقبـل فيـه أحكـام الشـريعة .
هـذا التفسـير لنـص المـادة 183 عقوبـات مخالـف لـروح ومفاهيـم القوانين المدنيـة التي تطبـق بالتسـاوي علـى جميـع الافراد دون تفريـق مـن أي نـوع كان .
فالقانـون حيـن يكون مدنيـاً وشـاملاً وعامـاً فإنـه لا يجوز تفسـيره أو عطفه علـى أي مرجع دينـي حيـن يكون هـذا المرجع غيـر شـامل لكافة الشعب اللبـناني .
بمعنـى ان مـا ورد فـي المــادة 183 عقوبـات لا يجــوز عطفـه حيـن البحـث فـي معنـى وشـمولية كلمـة ” ممارسـة الحـق ” الـواردة فيـه علـى أي شـريعة دينيـة وإلا فقـدت هـذه المـادة شـموليتها وانحصـرت مفاعيلهـا بفريـق دون الآخـر وأصبـح القانـون عنصـر تفرقـة وعـدم مسـاواة إذ تصبـح أفعـال أحدهـم مبـررة نسـبة لدينـه وأفعـال غيـره أفعـالاً جرمية نسـبة لدينـه المختلـف .
وان عنصـر المسـاواة أمـام القانون هـو مبـدأ أسـاسي وجوهـري وهـو بحمـى الدسـتور .
كما انـه مـن المسـتهجن تبريـر العنـف ضـد المـرأة بتنـاول فعـل الضـرب لناحيـة قوتـه أو عـدم تأثيـره الجسـدي ،
إذ ان فعـل الضرب يمكـن ان يكـون كمـا هـو مدعـاة لإثـارة جرم الايذاء، هـو أيضـاً مدعـاة لإثـارة فعـل التحقيـر والقدح والـذم لا سـيما حيـن يكـون هـذا الفعـل فـي أمكنة عامـة أو بمتنـاول سـماع ومشـاهدة الآخريـن فيصبح حينهـا الايـذاء الجسـدي فعـلاً مسـتقلاً عـن جرم الاهانـة والتحقير ،
ممـا يشكل جرمـاً معنويـاً (كمثـل جرائم التحقير والشتم وسوى ذلـك) لا تعـود فيـه القيمـة لمـدى تأثيـره الجسـدي وانمـا لمدى تأثيـره المعنوي والنفسـي والأدبي .
فمن الضروري توضيح المـادة 183 عقوبات لحصر عبارة ” ممارسـة حـق ” بالحقوق التـي تنشـئها القوانيـن المدنيـة الصادرة عـن المشـترع اللبـناني دون العـادات والتقاليـد والشـرائع الطائفيـة والمذهبيـة منعـاً لتعطيل قانـون العقوبات فـي مواد شـاملة منهـا المـادة 554 عقوبـات المتعلقة بالإيذاء ومنهـا المواد المتعلقـة بالتحقير والقـدح والذم وأعمـال الشـدة (المواد 381 و 382 و383 و 388 وسـواها) .
كما يتوجب ايجـاد بـاب خـاص فـي قانـون العقوبـات يتنـاول العنـف المنزلـي بتفاصيلـه ودقتـه بوضـوح تـام مـن شـأن ذلـك ان يمنـع التفسـيرات ذات الخلفيـة أو الاجتماعيـة ممـا سـوف يشـكل عندئـذ رادع أكبـر للجنـاة المعتاديـن علـى ممارسـة هكـذا أنـواع مـن العنـف ، وان يتطابـق مـع العديـد مـن الصكـوك الدوليـة التـي وقـع عليهـا لبـنان وأوجبـت علـى الـدول سـن تشـريع يغطـي كـل أشـكال العنـف ضـد المـرأة .
وسـنقوم باقتـراح نـص بذلـك فـي بـاب المقترحـات .
ب – فـي جرائـم الإغتصـاب
هنـاك عقوبـات حتـى الأشـغال الشـاقة لجرائـم الإغتصـاب ولمـن اسـتغل موقعـه الوظيفي فـي هـذا المجـال وللفحشـاء بالإكـراه أو المـراودة وللخطف بالخداع والإغـواء والتهتـك والحـض علـى الفجـور والتعرض لـلأداب والأخـلاق العامـة .
فضـلاً عـن أن هـذه النصوص ناقصـة والعقوبـات المفروضة خفيفـة وغيـر رادعة فبعضهـا يشـكل حمايـة لكثير مـن أنواع العنـف الـذي تتعرض لـه المـرأة .
فعمـلاً بنـص المـادة 503 مـن قانــون عقوبـات ” ومــن أكــره غيــر زوجـه بالعنـف والتهديـد علـى الجمـاح عوقـب بالأشـغال الشـاقة خمـس سـنوات علـى الأقـل ” .
كمـا ان المـادة 504 عقوبـات نصـت علـى مـا يلــــي :
” يعاقـب بالأشـغال الشــاقة المؤقتـة مـن جامـع شــخص غيـر زوجـه لا يسـتطيع المقاومـة بسـبب نقـص جسـدي أو نفسـي أو بسـبب مـا اسـتعمل نحـوه مـن ضـروب الخـداع ” .
وهـذان النصـان يفسـران وكـأن الاكـراه بالنسـبة للزوجـة هـو مقبـول أو انـه ينـال أي أسـباب تخفيفيـة ،
لأن محتـوى هاتيـن المادتيـن يبـدو وكأنـه يبـرر أو يخفـف مـن وقـع الاكـراه علـى الزوجـة بينمـا يعاقـب عليـه بالنسـبة لأي امـرأة أخـرى ،
ممـا يشـكل افتئاتـاً علـى كرامة الزوجة التـي هـي امرأة فـي كـل حـال .
وبالتالـي فـإن هـذا الأمــر يشـكل اعتـداء علـى كرامـة المـرأة وحقهـا بالحمايـة والتمتـع بحقوقهـا الانسـانية وحرياتهـا الأسـاسـية ومخالفــة فاضحـة لأحكـام اتفاقيـة القضـاء علـى جميـع أشـكال التمييـز ضـد المـرأة والاعـلان العالمـي للقضـاء علـى العنـف ضـد المـرأة الـذي نـص صراحـة فـي المـادة الثانيـة منـه ان العنـف ضـد المـرأة يشـمل الاغتصـاب فـي إطـار الزوجيـة ،
ممـا يتوجـب مسـاواة المـرأة أكـانت زوجـة أم غيـر زوجـة بالعقوبـة نفسـها التـي ينالهـا الرجـل الـذي يقـدم علـى فعـل الاكـراه أي كـان وضـع المـرأة الممـارس عليهـا الاكـراه ،
وبالتالــي يقتضـي تعديــل نــص هاتيــن المادتيــن ونــزع منهمــا عبـارة ” غيـر زوجــه ” .
كمـا انـه وعمـلاً بالمـادة 522 عقوبـات إذا عقـد الجانـي زواجـه علـى المجنـى عليهـا (أي بيـن مرتكبـي أحـد الجرائـم المذكـورة وبيـن المعتـدى عليهـا) أوقفـت الملاحقـة القضائيـة بحقـه .
وإن ذلـك يشــكل نـوع مــن الحمايـة القانونيـة للجانـي وإضفـاء شـرعية علـى الجريمـة .
فضـلاً عـن إنـه يجبـر المـرأة التـي غالبـاً مـا توافـق علـى الـزواج خوفـاً مـن الفضحيـة علـى العيـش مـع المعتـدي عليهـا وتحمـل الإغتصـاب يوميـاً دون أي اعتبـار للحالـة النفسـية للمـرأة .
وهـذا التعامـل بشـكل مغلـوط مـع جريمـة الإغتصـاب ويشـكل تشـجيعاً غيـر مباشـراً علـى ارتكـاب هـذه الجريمـة البشـعة .
وان تقريـر الأميـن العـام الصـادر حـول الدراسـة المتعمقـة بشـأن جميـع أشـكال العنـف ضـد المـرأة أعـرب صراحـة عـن قلـق هيئـات الأمـم المتحـدة مـن التشـريعات التـي تسـمح بتخفيـض العقوبـة فـي قضايـا الاغتصـاب عندمـا يتـزوج المغتصـب ضحيـة اغتصابـه وإنهـاء الإجـراءات الجنائيـة بمجـرد سـحب الضحيـة لقضيتهـا وضـرورة إنهـاء الافـلات مـن العقوبـة لمرتكبـي العنـف أو حمايتهـم أو التغاضـي عـن عنفهـم .
ممـا يقتضـي إلغـاء هـذه المـادة مـن قانـون العقوبـات .
ج – في جرائـم الشـرف
المـادة 562 عقوبـات قديمـة كـانت تمنـح الرجـل العـذر المحـل أو المخفـف فـي الجرائـم المسـماة جرائـم الشـرف .
والعـذر المحـل يعفـي المجـرم مـن كـل عقـاب امـا العـذر المخفـف فيـؤدي الـى تخفيـض العقوبـة .
جـاء التعديـل الجديـد مؤخـراً بموجـب القانـون رقــم 7 الصـادر فــي 20 شـباط 1999 وبـدلاً مـن إلغـاء هـذه المادة كليـاً ، أبـدل العذر المحـل بالعـذر المخفف كمـا هـي الحـال فـي معظـم البلدان العربية بحيـث أصبح النـص الجديـد :
” يسـتفيد مـن العـذر المخفـف مـن فاجـأ زوجـه أو أحـد أصولـه أو فروعـه أو أختـه فـي جـرم الزنـى المشـهود أو فـي حالـة الجمـاع غيـر المشـروع فأقـدم علـى قتـل أحدهمـا أو ايذائـه بغيـر عمـد ” .
إن هـذه الحمايـة القانونيـة تعطـي دافعـاً للإقـدام علـى الكثيـر مـن جرائـم قتـل النسـاء تحـت سـتار الدفـاع عـن الشـرف إذ تشـير التقاريـر الرسـمية العالميـة الـى إن ثمانـي مـن أصـل عشـرة مـن جرائـم الشـرف تكـون الضحيـة فيهـا بريئـة مـن التهمـة التـي ألصقـت بهـا .
فالواقـع والأسـباب الحقيقيـة تكـون فـي أغلب الأحيـان مختلفـة تمامـاً ولدوافع شـخصية وأنانيـة هـذا عـدا الجرائم التـي تتـم لمجرد الشـبهة فقـط ، وبالتالـي فـإن هـذه المـادة تفتـح سـبلاً للتجاوزات وتشـكل اسـتيفاء للحـق بالقـوة .
ان مقاربـة القانـون لهـذه الجريمـة لناحيـة منحهـا الاعـذار المخففـة انمـا يكرس العـادات والنظرة الشـرقية للأمور ولا يكرس مبـدأ المسـاواة وحقوق الانسـان .
وبالتالـي فإنـه يجـدر بالمشـرع أن يضـع نصـب عينيـه المبـادىء السـامية والراقيـة التـي تعاقـب علـى أي جريمـة ولا يكـون منـح الأعذار والأسـباب إلا مـن منطلقـات موضوعيـة شـريفة ومبررة ولا يجـوز منـح هـذه الأعذار والأسـباب لدواع بائـدة وقديمـة هـي فـي أحسـن أحوالهـا تشـكل تفرقـة بيـن المرأة والرجل .
هـذا مـع العلـم انـه توجـد نصـوص تخفـض العقوبـة حيـال فاعـل الجريمـة الـذي يقـدم عليهـا بثـورة غضب شـديد ناجـم عـن عمـل غيـر محـق
علـى جانـب مـن الخطورة أتـاه المجنـي عليـه وإذا ثبـت أن الدافـع الـى القتـل هـو دافـع شـريف (المادتيـن 252 و 193عقوبـات) .
ممـا يقتضـي وتماشـياً مـع توجبـات اللجنـة المعنيـة بالقضـاء علـى التمييـز ضـد المـرأة الإلغـاء الكامـل لنـص المـادة 562 عقوبـات ،
علمـاً ان معظـم الـدول المتحضـرة أزالـت الصفـة الجرميـة عـن فعـل الزنـى وان تونـس كـانت السـباقة فـي إلغـاء هـذه المـادة .
د – بالنسـبة لجرائـم الزنـى
ان أحكـام الزنـا وردت فـي قانـون العقوبـات تحـت بـاب الجرائـم التـي تمـس الديـن والعيلـة .
إن المـادة 487 نصـت علـى مـا يلــــــي :
” تعاقـب المـرأة الزانيـة بالحبـس مـن ثلاثـة أشـهر الـى ســنتين .
ويقضى بالعقوبة نفسها على الشريك إذا كان متزوجاً وإلا فالحبس من شهر الى سنة .
فيمـا خـلا الاقـرار القضائـي والجنحـة المشـهودة لا يقبـل مـن أدلـة الثبوت علـى الشريك إلا مـا نشـأ منهـا عن الرسائل والوثائق الخطية التـي كتبهـا ” .
والمـادة 488 نصـت علـى مـا يلــــــي :
” يعاقـب الـزوج بالحبـس مـن شـهر الـى سـنة إذا ارتكـب الزنـى فـي البيـت الزوجـي أو اتخـذ لـه خليلـة جهـاراً فـي أي مكـان كـان ، وتنـزل العقوبـة نفسـها بالمـرأة الشـريك ” .
يسـتنتج مـن هذيـن النصيـن ان المـرأة لـو زنـت ولـو لمـرة واحـدة تعاقـب بجريمـة الزنـا أمـا الـزوج فـلا يعاقـب إلا إذا اقتـرف الزنـا فـي البيـت الزوجـي أو اعتـاده مـع خليلـة وجهـاراً وكـأن المشـترع أراد تشـجيع زيـر النسـاء الـذي يعتـاد تغييـر نسـائه باسـتمرار فبـرأه مـن جـرم الزنـا .
أمـا العقوبـة فهـي مضاعفـة للزوجـة وتعاقـب المـرأة غيـر المتزوجـة الشـريكة فـي زنـا الـزوج بعقوبـة الـزوج الجانـي بخـلاف الرجـل غيـر المتـزوج الـذي تخفـض عقوبتـه الـى النصـف .
وبالنسـبة لموضـوع الإثبـات : الزوجـة الزانيـة يجـوز تقديـم بحقهـا جميـع طـرق الإثبـات بمـا فيـه البينـة أمـا بالنسـبة للـزوج الزانـي فـلا يجـوز إلا الإقـرار القضائـي والجنحـة المشـهودة والوثائـق الخطيـة وعمـلاً بهـذا المبـدأ تجـرم المـرأة ويبـرىء الرجـل لجـرم واحـد ارتكبـاه .
إن جريمـة الزنـى ألغيــت لـدى معظـم تشــريعات البلـدان المتطـورة كمـا ان العـدد الأكبـر مـن الـدول العربيـة لا سـيما قوانيـن دول المغـرب العربـي ليبيـا والكويـت تسـاوي بيـن الرجـل والمـرأة لناحيـة شـروط الجريمـة ولجهـة الأدلـة والعقوبـة .
إن نصـوص أحكـام الزنـى مخالفـة لأحكـام المسـاواة بيـن الجنسـين إذ ان الأحكـام التـي تتنـاول الزنـى انمـا تتناولـه مـن ناحية كـون المرأة هـي المجرمة .
ممـا يقتضـي مسـاواة المـرأة والرجـل فـي بـاب الزنـا حفاظـاً علـى صحـة المجتمـع وعلـى الربـاط الزوجـي وتحقيقـاً للعدالـة والمسـاواة .
هـ – فـي أحكـام الاجهـاض
يخضـع الاجهـاض لأحكـام قانـون العقوبـات وقانـون الآداب الطبيـة الصـادر فـي 22/2/1999 وان القانـون اللبـناني مـن أكثـر القوانيـن تشـدداً فـي مسـألة الاجهـاض إذ هـو يحظـر الاجهـاض ولا يسـمح إلا بالإجهـاض العلاجـي وفقـاً لشـروط محـددة حصـراً .
وقـد تصـدى قانـون العقوبـات لهـذا الموضـوع تحـت نبذتيـن :
الأولـى تناولـت الوسـائط المانعة للحمل وان المـواد المتعلقة بهـا قـد ألغيـت
بموجـب المرسـوم الاشـتراعي رقـم 112 تاريـخ 16/9/1983 .
الثانيـة تناولـت مسـألة الاجهـاض وذلـك مـن المـواد 539 الـى 546 التـي ميّـزت بيـن الاجهـاض الجنائـي والاجهـاض الجنحـوي .
فنصـت المـادة 539 علـى معاقبة كـل دعـاوة للإجهاض يقصد منهـا نشـر أو ترويج أو تسهيل أو اسـتعمال وسائط الاجهاض مـن شهرين الى سـنتين مـع غرامة .
ونصـت المـادة 540 علـى معاقبـة بالعقوبـة نفسـها مـن يبيـع أو يعـرض للبيـع أو يقتنـي بقصد البيـع مـواد معـدة لأحداث الاجهاض أو سـهل اسـتعمالها.
ونصـت المواد 540 حتى 544 علـى معاقبـة المـرأة التـي تطـرح نفسـها بالحبـس مـن سـتة أشـهر الـى ثـلاث سـنوات ومـن سـنة الـى ثـلاث سـنوات علـى مـن يقـدم علـى تطريـح المـرأة أو محاولـة تطريحهـا برضاهـا .
ونصـت المـادة 545 علـى اسـتفادة المـرأة التـي تطـرح نفسـها محافظـة علـى شـرفها مـن عـذر مخفـف وكذلـك مـن يرتكـب هـذه الجريمـة محافظـة علـى شـرف احـدى فروعـه أو قريباتـه حتـى الدرجـة الثانيـة .
امـا المـادة 546 فتشـدد العقوبـة إذا كـان الفاعل طبيبـاً أو جراحـاً أو قابلـة أو إجزائيـاً أو صيدليـاً أو أحـد مسـتخدميهم سـواء كـان فاعلاً أو محرضاً أو متدخلاً .
إن قانـون الآداب الطبيـة تنـاول هـذا الموضـوع فـي المـادة 32 منـه .
فقـد نصـت المـادة المذكـور علـى أن إجـراء الاجهـاض محظوراً قانونـاً .
امـا الاجهـاض العلاجـي فـلا يمكـن اجـراؤه إلا إذ كـان هـذا الاجهاض الوسـيلة الوحيـدة لإنقـاذ حيـاة الأم المعرّضـة لخطـر شـديد ،
وفـي هـذه الحالـة يتوقـف علـى الطبيـب المعالـج أن يسـتشـير طبيبيـن يوافقـان معـه بالتوقيـع خطيـاً ، ويجـب أخـذ موافقـة الحامـل بعـد اطلاعهـا علـى الوضـع الـذي هـي فيـه إلا إذا كـانت فـي خطـر شـديد وفاقـدة الوعـي فعلـى الطبيـب أن يجريـه حتـى ولـو مانـع زوجهـا أو ذووهـا .
امـا إذا كـانت عقيـدة الطبيـب لا تجيـز لـه النصح بالاجهـاض أو بإجرائـه فيمكنه أن ينسـحب تاركـاً مواصلة العنايـة بالحامل لزميـل لـه مـن ذوي الاختصاص .
إن منـع الاجهـاض بالمطلـق واعتبـاره مـن نـوع الجرائـم المعاقـب عليهـا يـؤدي الـى تعـرض المـرأة لمخاطـر عديـدة بحيـث تضطـر الـى ممارسـة الاجهاض فـي الخفـاء وبوسـائل بدائيـة تضـر بصحتهـا قـد تـؤدي الـى وفاتهـا .
كمـا إن منـع الاجهـض يتعارض مـع المواثيق الدولية التـي التزم بها لبـنان ،
فالاتفاقيـات الدوليـة المتعلقـة خاصة بالمـرأة تؤكـد علـى حـق المـرأة فـي أن تقـرر بحريـة وبشـعور مـن المسـؤولية عـدد أطفالهـا والفتـرة الفاصلـة بيـن طفـل وآخـر وفـي الحصـول علـى المعلومـات والاسـتشـارات والوسـائل التـي تمكنهـا مـن ممارسـة حقهـا هـذا .
وان اللجنـة المعنيـة بالقضـاء علـى جميـع أشـكال التمييـز ضـد المـرأة وفـي تعليقاتهـا الختاميـة علـى التقريـر المقـدم أمامهـا مـن لبـنان حثّـت الدولـة
اللبـنانية علـى إنهـاء تجريـم الاجهـاض واتخـاذ تدابيـر لحمايـة المـرأة ضـد مـا يسـببه الاجهـاض غيـر المأمـون مـن أثـار سـيئة علـى صحتهـا .
فـلا بـد مـن تعديـل قانونـي العقوبـات والآداب الطبيـة لناحيـة الاجهـاض بحيـث يعتمـد حـلاً وسـطاً يوفـق بيـن اباحـة الاجهـاض وبيـن تنظيمـه فـي حـدود معينـة تماشـياً مـع المواثيـق الدوليـة وتوصيـات اللجنـة ودراسـة الأميـن العـام حـول مسـألة العنـف ضـد المـرأة .
ثالثـاً – فـي المقترحـــــات
1) علـى صعيـد قانـون العقوبـات
وجـوب إدخـال مـادة خاصـة بالعنـف الأسـري
يقتضـي إدخـال مـادة فـي قانـون العقوبـات تعطـي تعريفـاً واسـعاً للعنـف العائلـي وتجـرم مختلـف أشـكال العنـف ضـد المـرأة تكـون فيهـا العقوبـات مشـددة كالتالـــي :
1 – يعنـي ” مصطلـح العنـف الاسـري ” أي فعـل عنيـف تدفـع اليـه عصبيـة الجنـس ويترتـب عليـه أو يرجـح أن يترتـب عليـه أذى أو معانـاة للمـرأة سـواء مـن الناحيـة البدنيـة أو الجنسـية أو النفسـية بمـا فـي ذلـك التهديـد بأفعـال مـن هـذا القبيـل أو القسـر أو الحرمـان التعسـفي مـن الحريـة .
2 – خلافـاً لكـل نـص يتعلـق بالايـذاء فـإن كـل مـن يقـدم علـى إلحـاق أي عنـف معنـوي بزوجتـه أو إبنتـه أو شـقيقته أو والدتـه أي مـن أولاده القاصرين أو مـن هـم تحـت سـلطته أو رعايتـه أو مسـؤوليته عوقب بالحبس شـهرين على الأكثر مـع غرامـة لا تقـل عـن ثلاثماية ألـف ليـرة لبـنانية ، ولا يجـوز منحـه وقـف التنفيـذ فـي حالـة التكـرار .
3 – إذا كـان العنف جسـدياً وأدى الـى التعطيل حتى ثمانية أيـام فـإن العقوبة تكون سـنة حبـس على الأكثر إضافة الـى غرامة لا تقـل عـن مليون ليرة لبـنانية .
4 – إذا نجـم عـن العنـف أو الأذى الحاصـل مـرض أو تعطيـل لمـدة تزيـد عـن ثمانيـة أيـام قضـى بعقوبـة مـن ثلاثـة أشـهر الـى ثلاثـة سـنوات علـى الأكثـر إضافـة الـى غرامـة لا تقـل عـن مليونـي ليـرة لبـنانية .
5 – فـي حـال زاد التعطيـل عـن الشـهر قضـى بعقوبـة لا تقـل عـن سـتة أشـهر حتـى خمـس سـنوات علـى الأكثـر إضافـة الـى غرامـة لا تقـل عـن ثلاثـة ملاييـن ليـرة لبـنانية .
6 – فـي حـال أدى الاعتـداء الـى عطـل دائـم أو تشـويه بـارز ودائـم أو الـى بتـر أو اسـتئصال أو تعطيل أي عضو أو حاسـة أو تشـويه جسـيم فـإن العقوبـة تصبح جنائيـة بحـد أدنى ثلاثة سـنوات حتـى خمسـة عشـر سـنة علـى الأكثر إضافـة الـى غرامة لا تقـل عـن عشـرة ملاييـن ليرة لبـنانية .
وفـي حـال أدى الاعتـداء الـى وفـاة الضحيـة فتكـون العقوبـة لا تقـل عـن سـبع سـنوات كحـد أدنـى .
7 – ان جميـع مرتكبـي الحـالات المذكـورة أعـلاه يحرمـون مـن وقـف التنفيـذ فـي حـال تكرارهـا كمـا يحرمـون مـن الولايـة والحراسـة والمسـؤولية تجـاه أولادهـم أو أي كـان تحـت سـلطتهم .
2) علـى الصعيـد الوطنـي
يتوجـب علـى الدولـة اتخــاذ الإجـراءات التاليــــة :
أ – التصديـق بـدون تحفـظ علـى جميـع الاتفاقيـات الدوليـة لحقـوق الانسـان .
ب – رفـع التحفظـات عـن اتفاقيـة القضـاء علـى جميـع اشـكال التمييـز ضـد المـرأة وتطبيقهـا تطبيقـاً كامـلاً وفعليـاً .
ج – التصديـق علـى البروتوكـول الاختيـاري الملحـق باتفاقيـة القضـاء علـى جميـع أشـكال التمييـز ضـد المـرأة .
د – اعتمـاد تشـريع يجـرم كـل اشـكال العنـف ضـد المـرأة يتضمـن عقوبـات رادعـة ونصـوص تعويضيـة بحيـث يضمـن للمـرأة الوصـول الـى العدالـة والا يتمكـن مرتكـب العنـف الافـلات مـن العقوبـة .
هـ– إلغـاء وتعديـل كافـة التشـريعات الوطنيـة المتضمنـة تمييـزاً ضـد المـرأة بمـا يتوافق مـع الاتفاقيـات الدولية لحقوق الانسـان عامة وحقوق المرأة خاصة .
و– تعريـف المـرأة بحقوقهـا وبمـا توفـره القوانيـن مـن حمايـة وأوجـه انتصـاف وتمكينهـا مـن ممارسـة هـذه الحقـوق .
ز– نشـر ثقافـة مناهضـة العنـف وتنظيـم حمـلات توعيـة تشـمل كافـة شـرائع المجتمـع وتعميـم المعرفـة باتفاقيـة القضـاء علـى جميـع أشـكال التمييـز ضـد المـرأة وبإعـلان القضـاء علـى العنـف ضـد المـرأة .
ح – معالجـة المواقـف واشـكال السـلوك النمطيـة التـي تسـاهم فـي عنـف الذكـر ضـد الأنثـى .
ط – تخصيـص مـوارد كافيـة فـي ميزانيـة الدولـة لمعالجة العنـف ضـد المرأة .
ك – تعديـل المناهـج التربويـة ومـواد التدريـس التـي لا تـزال تتضمـن الصـور النمطيـة للأدوار السـائدة وتؤكـد علـى وجـود التمييـز ضـد المـرأة واشـراك النسـاء بنسـبة أكبـر فـي إعـداد وتأليـف الكتـب المدرسـية .
ل – تدريـب أشـخاص الضابطـة العدليـة والقضـاة والأطبـاء والإخصائييـن الاجتماعييـن والنفسـيين وكـل مـن لـه صلـة بالتعامـل مـع النسـاء والفتيـات ضحايـا العنـف علـى كيفيـة التعامـل معهـن وتوفيـر الحمايـة والخدمـات والمعالجـة والتأهيـل .
م – تخصيـص شـرطة نسـائية فـي جميـع المخافـر وفصائـل الضابطـة العدليـة للتعامـل مـع الفتيـات والنسـاء اللواتـي يحضـرن الـى تلـك المراكـز .
أختـم بمـا ورد في تقريرالامين العام للامم المتحدة حول الدراسة المتعمقـة بشأن جميع أشـكال العنف ضـد المرأة :
” مـا دام العنـف ضـد المـرأة مسـتمراً لا نسـتطيع أن ندعـي بأننـا نحقـق تقدمـاً حقيقيـاً نحـو المسـاواة والتنميـة والسـلام ” .
رابعاً : المراجـع
– تقريـر الأميـن العـام ” العنـف ضـد المـرأة ” – الجمعية العامـة –
الأمـم المتحـدة – 2005 – 211/600/A .
– تقرير الأمين العام ” دراسة متعمقة بشأن جميع أشكال العنف ضد المرأة – الجمعيـة العامـة – الأمـم المتحدة 2006 – Add-1 /122/61/A .
-
التقريـر الرسـمي الثالـث حول اتفاقيـة القضـاء علـى جميع أشـكال التمييـز ضد المرأة الهيئـة الوطنيـة لشـؤون المرأة – بيروت 2006 .
-
تقييـم وضـع المرأة – دليـل خـاص بإعـداد التقاريـر عـن اتفاقيـة السـيداو – صندوق الأمـم المتحدة الانمائـي للمرأة (اليونيفيـم) – المكتـب الاقليمـي للـدول العربيـة 2003 .
-
الوثيقـة اللبـنانية الثانيـة لإلغـاء جميـع أشـكال التمييـز ضـد المـرأة فـي القوانيـن اللبـنانية – اللجنـة الأهليـة لمتابعـة قضايـا المـرأة ، بيـروت 2005 .
-
دليـل جلسـات التوعيـة للوقايـة مـن العنـف الأسـري – وزارة الشـؤون الاجتماعيـة بالتعـاون مـع الهيئـة اللبـنانية لمناهضـة العنـف ضـد المـرأة – بيـروت 2005 .
-
التمييـز ضـد المرأة ” الاتفاقيـة واللجنـة ” صحيفة وقائـع رقـم 22 – الأمـم المتحـدة – جنيـف 1995 .
-
الأسـتاذ عبـد اللـه خليـل – آليـات حقـوق الانسـان المرتبطـة بالعنـف ضـد المـرأة – ورشـة عمـل حـول الاعـلام ومناهضـة العنـف ضـد المـرأة – منظمـة العفـو الدوليـة – القاهـرة 2004 .
-
باسـمة عطـوي – الديـن يغسـل عـار جريمـة الشـرف ويعيدهـا الـى حكـم القانون وكنـف العدالـة – آب 2007 – مركـز الأخبـار – أمـان – المركز العربي للمصادر والمعلومات حـول العنف ضـد المرأة .
-
اتفاقيـة القضـاء علـى جميـع أشـكال التمييـز ضـد المـرأة .
-
إعـلان القضـاء علـى العنـف ضـد المـرأة .
-
قانـون العقوبـات اللبـناني .
الملاحــق
ملحق رقم 1 جدول يتضمن بعض أحكام الأسرة في عدد من الطوائف
ملحق رقم 2 دراسة د. وجيه خاطر : تعليق على اتفاقية القضاء على جميع
أشكال التمييز ضد المرأة المعروضة على الحكومة اللبنانية
للانضمام إليها _ 1995
ملحق رقم 3 استشارة القاضي شكري صادر
ملحق رقم 4 البروتوكول
ملحق رقم 1
عند استعراض القوانين الطائفية الخاصة التي تطبق في مجال الأحوال الشخصية لدى مختلف الطوائف يظهر التباين الخطير في القواعد مما يعزز الشرخ الاجتماعي العمودي بين فئات المجتمع الواحد، واشتراكها في تعزيز علاقات السلطة داخل الأسرة لصالح الرجل.
كما يتبين أن القوانين التي عدلت مؤخراً لدى بعض الطوائف المسيحية لم تتمكن من التغاضي عن مراعاة التغيرات الاجتماعية، وأبدت بعض الحساسية الجندرية في مبادئها العامة لجهة المشاركة والمساواة، وان كانت لم تتخلى في المواد المتخصصة عن التمييز لصالح الرجل.
تم اختيار عدد من القوانين التي أدخلت عليها بعض التعديلات وهي: قوانين الطوائف الكاثوليكية يعمل بها اعتباراً من عام 1991، الطائفة الشرقية الأشورية الأرثذكسية عدلت قوانينها عام 1997، بطركية انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثذكس عدلت قوانينها عام 2003 ، الطائفة الانجيلية التي عدلت قوانينها عام 2005.
أما القواعد التي تطبق على الطوائف الاسلامية السنية والجعفرية والعلوية فهي المتضمنة في قانون حقوق العائلة العثماني ولم تتغير منذ وضعت عام 1917:
عددت المادة 242 من القانون الصادر في تموز 1962 النصوص والمراجع التي يستقي منها القاضي أحكامه اذ نصت على ما يلي: ” يصدر القاضي السني حكمه طبقاً لأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة الا في الأحوال التي نص عليها قانون حقوق العائلة الصادر في 25 تشرين الأول 1917 فيطبق القاضي السني أحكام ذلك القانون ، ويصدر القاضي الجعفري حكمه طبقاً للمذهب الجعفري ولما يتلاءم مع هذا المذهب من أحكام قانون العائلة“
الطائفة الاسلامية العلوية التي نظمت شؤونها في17\8\ 1995 بموجب القانون رقم 449، المعدل عام 2002 ، والذي حددت المادة 32 منه أنهم يخضعون لأحكام الفقه الجعفري، دون تحديد المرجع الرسمي لديها، كما اعتمدت قانون 16 تموز 1962 مع تعديلاته لتطبقه المحاكم العلوية الخاصة.
أبناء الطائفة الدرزية يطبقون في أحوالهم الشخصية قانون 24 شباط 1948.
علماً أنه يبدو جلياً أن السلطات الطائفية تحافظ على حريتها في تغيير القواعد من الباطن، خاصة وأنه لا رقابة فعلية من السلطة القضائية العامة على الأحكام الصادرة عن المحاكم المذهبية والشرعية.
ملحق رقم 2
الطائفة |
الرضى وسن الزواج |
الحق بالحضانة والولاية والرعاية |
الحق بطلب الطلاق |
الطوائف الكاثوليكية بحسب قوانين الكنائس الشرقية المعدلة عام 1991
|
القانون 800: لا يستطيع الرجل قبل اتمام السادسة عشرة من عمره ولا المرأة قبل اتمام الرابعة عشرة، عقد زواج صحيح. بامكان الشرع في الكنيسة الخاصة المستقلة أن يفرض سناً أكبر لجواز عقد الزواج. القانون 817 : الرضى الزواجي فعل ارادة به يتعاقد الرجل والمرأة تعاقداً لا رجوع فيه، على أن يقدم كل واحد منهما ذاته للآخر، ويقبل الآخر لاقامة الزواج. |
المبدأ هو في حق الأم بالحضانة وفي حق الأب المطلق بالولاية والرعاية الا اذا ثبت أنه غير أهل لهذا الدور. لم يتطرق القانون الجديد بنص صريح لهذا الموضوع الا في المادة 865 مما أبقى على القواعد القديمة لكل من الطوائف الكاثوليكية. تنص المادة 865 : اذا تم الافتراق بين الزوجين فلا بد أبداً من الحرص على ضمان الواجب من معيشة الأولاد وتنشئتهم. مؤخراً، ومنذ التعديل الأخير للقانون بدأت المحاكم الكاثوليكية تأخذ “مصلحة الطفل” كمعيار ، لكن طبعاً من منظور المحكمة الخاص الذي يتعامل مع كل حالة بحسب ظروفها الموضوعية. |
لا تقر الطولئف الكاثوليكية بالطلاق. لكن المادة 818 أوضحت أسباب ابطال الزواج: غير قادرين على عقد الزواج: من يفتقر الى ما يكفي من استعمال العقل؛ من يشكون نقصاً خطيراً في الحكم الصائب في موضوع حقوق الزواج وواجباته الأساسية لهم وعليهم؛ من لا يستطيعون تحمل واجبات الزواج الأساسية لأسباب ذات طبيعة نفسية. كما تقر الطوائف الكاثوليكية في بعض الحالات بفسخ الزواج. |
بطركية انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثذكس (عدل عام 2003) |
المادة 13فقرة أ و ب: يشترط لعقد الزواج ما يلي: أ–أهلية طالبي الزواج ورضاهما اذا كانا راشدين. ويشترط الى رضى طالبي الزواج موافقة الأولياء اذا كان أحدهما أو كلاهما تحت الولاية. ب– بلوغ طالبي الزواج سن الرشد، على أنه وعند الضرورة يجوز عقد الزواج بين طالبي الزواج اذا كانا مؤهلين شرط الا يكون طالب الزواج دون السابعة عشرة وطالبة الزواج دون الخامسة عشرة، مع مراعاة حال البنية الصحية، وبموافقة الولي وباذن من راعي الأبرشية. |
المادة 57: يقيم الأولاد عند والدهم للسلطان الأبوي اللذي له عليهم. وهو الذي يربيهم ويعلمهم ، الا في الحالات التالية فيقيمون عند والتهم بحكم من المحكمة: عند الحاجة الى حضانة الأم حتى الرابعة عشرة للذكر والخامسة عشرة للأنثى. عند انفكاك الزواج بين الوالدين تبعته على الوالد. لدى وجود أسباب مشروعة تنفي عن الوالد أهليته لتربيتهم. |
المادة 61: تنفك الروابط الزوجية اما بالوفاة واما بابطال الزواج أو بفسخه أو بالطلاق وذلك بموجب حكم مبرم من المحكمة الروحية المختصة. المادة 62- للزوجين فقط أن يتقدما بدعوى انفكاك الزواج. تعتبر المادة 68 أنه لأي من الزوجين المتضررين أن يطلب طلاق الآخر لعلة الزنىأو ما هو بحكم الزنى شرط أن يقدم البينة على ذلك، ويعود للمحكمة حق التقدير بوصف ما هو بحكم الزنى. كما تنص المادة 69 على التالي: يعتبر بحكم الزنى على سبيل المثال لا الحصر،ويعودللزوج أن يطلب الطلاق على أساسه…. اذا وجدها يوم الزواج ثيباً( فاقدة البكارة) الا اذا كان عالماً بأمرها قبل الزواج… اذا طلب اليها زوجها مراراً عدم التردد الى مكان تغلب عليه السمعة السيئة أو معاشرة أناس سيرتهم غير حسنة ولم تمتنع. اذا غافلت زوجها وباتت خارج بيت الزوجية دون رضاه اذا حكمت عليها المحكمة بأن تتبع زوجها الى محل اقامته ورفضت ذلك….. اذا ثبت احراف الزوجة الجنسي. وتنص المادة 71 على ما يعود للزوجة أن تطلب الطلاق عل أساسه: اذا أساء الزوج الى عفة زوجته بأن سهل لها فعل الزنى وألح عليها برغم ارادتها، اذا ادعى عليها بانها ارتكبت الزنى ولم يقم البينة على صحة مدعاه، اذا ثبت انحراف الزوج الجنسي اذا طلبت اليه مراراً عدم التردد على مكان تغلب عليه السمعة السيئة أو معاشرة أناس سيرتهم غير حسنة ولم يمتنع |
السنة(الحنفي) يستند لأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة وقانون حقوق العائلة |
يشترط في لزوم العقد ان يكون الزوج كفئاً سواء كان بمهر المثل أو بأقل منه كما جاء في المادة 47 من قانون حقوق العائلة ونصها: “لو كتمت الكبيرة وزوجت نفسها لآخر بدون استحصال رضائه ينظر إن تزوجت كفئاً فالعقد لازم ولو كان أنقض من مهر المثل أما إذا تزوجت شخصاً غير كفء فللولي ان يراجع المحاكم ويطلب فسخ النكاح.” وإذا راجع الولي المحكمة وطلب فسخ الزواج فسخ القاضي الزواج ما لم يكن قد ظهر الحمل على المرأة. كما جاء بالمادة الخمسين ونصها: “إنما يجوز للحاكم فسخ النكاح بعد الكفاءة قبل ظهور الحمل ورضاء الولي ولالة أو صراحة يسقط حق الفسخ.” وطبقاً لأرجح الأقوال في المذهب الحنفي لو رضي أحد الأولياء المتساوين بزواج غير الكفؤ أو بأقل من مهر المثل سقط حق الباقين في طلب الفسخ وكان العقد لازماً في حقهم جميعاً. وبهذا أخد قانون حقوق العائلة في المادة 94 ونصها: “رضا أحد الأولياء المتساوين في الدرجة يسقط حق اعتراض الآخرين وكذلك رضا الولي البعيد في الدرجة إذا كان الولي الأقرب غائباً يسقط حق اعتراضه.” |
مدة الحضانة للصبي هي حتى السابعة وحتى التاسعة للبنت. ينتقل حق الحضانة بعدم وجود الأم إلى أهل الولد ومع تساوي درجات القرابة بين أهل الأم وأهل الأب يفضل أهل الأم. حق الحضانة يثبت أولاً للنساء ثم للرجال على الترتيب الآتي: أولاً: ترتيب النساء:
|
المادة 126: إذا اختفى زوج امرأة او ذهب لمحل مدة سفر أو أقرب وتغيب أو فقد وتعذر تحصيل النفقة وطلبت زوجته التفريق فالحاكم بعد إجراء التحقيقات اللازمة يحكم بالتفريق بينهما.” المادة 127: إذا ظهر شقاق او نزاع بين الزوجين وراجع أحدهما الحاكم فالحاكم يعين من عائلة الطرفين حكماً وإذا لم يوجد شخص لتعيينه حكماً من عائلة الطرفين او وجد لكن غير حائز أوصاف الحكم يعين من يناسبهم من الخارج ومجلس العائلة المتشكل على هذه الصورة يدقق إفادات ومدافعات الطرفين ويجتهد في إصلاح ذات البين وإذا لم يمكن الإصلاح فإن كان القصور من جهة الزوج يفرق الحاكم بينهما وإن كان من جهة الزوجة يجري المخالصة على تمام المهر او على قسم منه وإذا لم يكن اتفاق الحكمين فالحاكم يعين هيئة حكمية أخرى حائزة الأوصاف المطلوبة او يعين حكماً ثالثاً ليس له قرابة للطرفين وحكم المحكمين قطعي وغير قابل للاعتراض.” |
الشيعة طبقاً لأقوال المذهبة الجعفري |
إذا رضيت المرأة بزواجها من غير كفء أو بأقل من مهر المثل كان العقد لازماً ولا يتوقف على رضاء الأولياء لأن الكفاءة والمهر حقان للمرأة وحدها فإذا أسقطتهما سقطا. وعلى هذا يكون المعمول به في لبنان بالنسبة للجعفريين عدم اشتراط الكفاءة أو مهر المثل بمقتضى مذهبهم.
|
سن الحضانة عند الصبي هي الثانية من عمره. وللبنت حتى السابعة ما لم تتزوج الأم. إن حق الحضانة يعود بعد الأم للأب تثبت الحضانة في المذهب الجعفري للرجال والنساء, وغاية أنهم يثبتونها أولاً للأم ثم للأب, فإن فقدوا أو زالت أهليتهما للحضانة, انتقلت إلى الأقارب على الترتيب التالي:
المشهور في الفقه الجعفري ان للأم حق الانتقال بالمحضون مطلقاً أي سواء رضي الأب أو لم يرضى وسواء كان البلد المنتقلة إليه قريباً أو بعيداً مصراً أو قرية إلا إذا كان يترتب على هذا الانتقال أضراراً بالوالد أو الولد فإن كان فلا يحق لها الانتقال إلا برضا الأب لقوله تعالى: “لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده.” |
الطلاق إنهاء للعلاقة الزوجية وهو حق مطلق للرجل. تستحق المرأة كامل المهر عند قيام الزوج بتطليقها. يتم الطلاق باللفظ. تنحل الرابطة الزوجية بالتفريق أي بطلاق الحاكم في الحالات التالية: –حالة عدم الاتفاق –حالة الغيبة. تعتد المرأة مدة “ثلاثة أشهر وعشرة أيام“
|
ملحق رقم -2-
تعليـق
على
إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة
المعروضـة
على الحكومة اللبنانية للإنضمام اليها
بقلـم
الدكتور وجيه خاطر
مدير عام وزارة العدل
بيروت
1995
أن هدف إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة هو مساواة المرأة بالرجل في كل مكان (المقطع الأول من المقدمة) “مساواة في الحقوق” (المقطع الثاني) بغض النظر عن حالتها الزوجية في جميع الميادين السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والمدنية لا سيما لجهة تحميلها مسؤوليات متساوية في إطار حياة الأسرة “(المقطع الثالث)” ومنحها أهلية قانونية مماثلة لأهلية الرجل “(المقطع الرابع)” وتقاسم مسؤولية تنشئة الأطفال بينها وبين الرجل والمجتمع ككل (المقطع ما قبل الأخير من الديباجة) ، حسبما ورد صراحة في المقدمة والديباحة .
وهذا الهدف كان للتعبير عن ماهية الإجراءات التي تقترحها الإتفاقية بهذا الخصوص. فلا ضرورة لإستعادتها في تعليق مهتم بالمبادىء لا بالتفاصيل .
فالمبدأ الأساسي الذي تركزت عليه الإتفاقية المذكورة هو مبدأ المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة دون أي إعتبار لوضعيتها البيولوجية والفيزيولوجية وخصوصيتها الأنثوية كزوجة وأم . وهذا التركيز مستمد من واقع بيئي وحضاري غربي لا يستسيغه الذوق الشرقي المرتبط بحضارات وديانات تميز بين الرجل والمرأة مع الحفاظ الكامل على كرامة المرأة والعدالة تجاهها ومنع الظلم عنها في كل ظرف ومكان .
تجاه هذه الحضارات والديانات يبدو مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة غير صائب إذا أخذ على إطلاقه . مما يوجب إستبداله بمبدأ منع الظلم عن المرأة الذي يفي بالغرض السامي الذي تستهدفه الإتفاقية دون الوقوع في الشطط الذي يقود إليه مبدأ المساواة مأخوذاً على إطلاقه .
-
في عدم صوابية مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة مأخوذا على إطلاقه :
تستهدف الإتفاقية الدولية القضاء على أي تمييز من أي نوع كان بين الرجل والمرأة.
فتحرم قيام مثل هذا التمييز في التشريعات الوطنية للدول الموقعة وفي أعرافها المتمادية وتلزم هذه الدول بإزالة التمييزات الموجودة فيها . وهذا أمر صائب إذا وضع ضمن حدود واقعية لا تتناقض مع الواقع البيولوجي والفيزيولوجي للمرأة الذي يوجب قبول حد أدنى من التمييز لمصلحتها ، تحت طائلة الوقوع في اللاواقعية المعيبة لإتفاقية دولية ترغب في أن تنال رضى وتأييد الدول المختلفة على إختلاف حضاراتها والأديان التي تنتمي اليها .
-
في حدود صوابية المبدأ :
إن مبدأ المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة سليم في جميع الميادين السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والمدنية بالنظر لغياب أي تأثير بيولوجي او فيزيولوجي لدى المرأة في هذه الميادين . فالإعتبار الإنساني المشترك بين الرجل والمرأة هو السائد عندما لا يتعلق الأمر بخصوص حياتها الذاتية غير القابلة للتجاوز بطبيعتها. فالمرأة قادرة على منافسة الرجل والتفوق عليه في خدمة المصلحة العامة وفي التحصيل العلمي والثقافي وفي مد علاقات إجتماعية طيبة مع أكبر عدد ممكن من الناس وفي إدارة المشاريع الإقتصادية والمالية وفي جني الأرباح وبناء الثروات .
في هذه الأمور لا مجال للتحفظ على مبدأ المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة بل على العكس فإن الأمل الكبير معقود على دور المرأة المنقذ في هذه المجالات .
-
في لاواقعية المبدأ :
ويصير هذا المبدأ غير واقعي عندما يتعلق الأمر بالوضعية الأنثوية للمرأة أي في المجال البيولوجي والفيزيولوجي الخاص بها والذي يميزها ذاتاً عن الرجل فلا يمكنه مجاراتها والحلول مكانها او تجاوز دورها فيه ، في المجال الذي تحتكره المرأة ويشكل ميزتها الجوهرية : الحبل والولادة والأمومة . في هذا المجال لا يجوز أن تعامل المرأة على قدم المساواة مع الرجل لأن وضعيتها الطبيعية تمنعها من أن تشابهه بصورة حقيقية كاملة . فتقضي الواقعية بإقامة تمييز ما بين الرجل والمرأة لمصلحة المرأة لا ضدها. وإلا كان مبدأ التمييز المطلق بين الرجل والمرأة ظالماً للمرأة . وهذا ما لا تقبله الإتفاقية الدولية. وهذا ماستوصل اليه حتماً إذا لم توضع حدود جدية لهذا المبدأ .
فإذا رغبت الدولة اللبنانية في الإنضمام الى الإتفاقية المتعلقة بعدم التمييز ضد المرأة وجب عليها أن تتحفظ بخصوص الوضعية البيولوجية والفيزيولوجية الخاصة بالمرأة . بهدف منع الأتفاقية المذكورة من الإيصال الى عكس أهدافها من خلال تقدم الدولة اللبنانية بإقتراح مبدأ بديل مستمد من منع الظلم عن المرأة .
-
في إستبدال هذا المبدأ بمبدأ منع الظلم عن المرأة :
إن ما تريده الإتفاقية الدولية حسبما يتراءى من ديباجتها هو منع الظلم عن المرأة ورفع الغبن عنها ومحاربة إستبعادها من المجالات التي إعتاد الرجل إحتكارها لنفسه. وهذه الأهداف السامية قابلة للتحقيق من خلال مبدأ بديل يمكن للحكومة اللبنانية وللحكومات المشبعة بالروح الإسلامية والمسيحية والشرقية عموماً أن تقترحه على الأمم المتحدة في مجال التحفظات الجائزة على الإتفاقية الدولية . وهذا المبدأ هو مبدأ منع الظلم عن المرأة دون الوصول الى مبدأ مساواتها المطلقة بالرجل على الطريقة الغربية التي تتنافى مع مبادىء الإسلام والمسيحية والتقاليد الشرقية العريقة والمتجذرة وغير القابلة للتخطي .
-
في التمييز بين المبدأين :
أن الفارق الجوهري بين المبدأين موضوع المقارنة محصور في المجال البيولوجي والفيزيولوجي الخاص بالمرأة والذي يقتضي إحترامه تحت طائلة إلحاق الظلم بالمرأة خلافاً للأهداف التي تسعى الإتفاقية الدولية لتحقيقها . أما في بقية المجالات والميادين والأمور فالتطابق تام بين المبدأين لأن منع الظلم عن المرأة يوجب إقامة المساواة بينها وبين الرجل في هذه الميادين .
ب – في تحقيق المبدأ المقترح لأهداف الإتفاقية :
إن مبدأ منع الظلم عن المرأة أوسع من مبدأ عدم التمييز بيها وبين الرجل لأن في عدم التمييز ظلماً أحياناً. وهذا الظلم يقتضي منعه كما لو كان ذلك على حساب مبدأ عدم التمييز بين الرجل والمرأة .
وبالنظر لإتساع المبدأ المقترح بالنسبة الى المبدأ المقرر في الإتفاقية وجب أن تشمل أهداف الإتفاقية المذكورة منع الظلم عن المرأة .
وبالنظر للإتساع عينه فإن المبدأ المقترح يحقق أهداف الإتفاقية وأهدافاً أوسع من تلك المذكورة صراحةً فيها .
وأغلب الظن أن واضعي الإتفاقية يهدفون من خلال إقرارهم مبدأ المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة منع الظلم عن المرأة بإعتبارالتمييز ضدها ، بحسب رأيهم ، هو مصدر الظلم اللاحق بها في المجتمعات الغربية أو حسب النظرة الغربية للمجتمعات الشرقية . وهذا ما يطرح المفهوم النسبي للظلم كموضوع للمناقشة والتأمل وكمعيار مشترك بين المجتمعات الغربية والشرقية للإنضمام الى الإتفاقية الدولية ، بالنظر الى نسبيته بالذات . فيفهمه أبناء كل من هذه المجتمعات وفق وضعيتها الذاتية الخاصة لا وفق المعايير والمفاهيم الغربية للأمور والتي قد لا تتناسب مع وضعيات المجتمعات الشرقية المحكومة بمبادىء الإسلام والمسيحية .
بيروت / في 5/10/1995
مدير عام وزارة العـدل
الدكتور وجيه خاطــر
ملحق رقم 3
الجمهورية اللبنانية
وزارة العدل
هيئة التشريع والإستشارات
رقم الأساس : 50/1/2002
رقم الإستشارة : 65/2002
إستشارة
الموضوع : التوقيع على البروتوكول
الإختياري لإتفاقية القضاء على جميع
أشكال التمييز ضد المرأة .
المرجع : 1- إيداع حضرة مديرعام
وزارة العدل رقم 48/أ.ت تاريخ
23/1/2002.
2- كتاب أمين عام مجلس الوزراء
رقم 166/م ص تاريخ
21/1/2002 .
إن هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل ،
بعد الإطلاع على كتاب حضرة أمين عام مجلس الوزراء رقم 166/م ص تاريخ 21/1/2002 وعلى الأوراق المرفقة تبين بأنه يعرض ويطلب ما يلي :
بنـــاءً عليه
بما أن البروتوكول المطلوب التوقيع عليه يهدف الى تفعيل الإتفاقية التي إنضم إليها لبنان في العام 1996 – إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعتمدة من الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18/12/1979.
وبما أن المشترع اللبناني عندما أجاز للحكومة الإنضمام الى الإتفاقية المذكورة تحفظ على بعض المواد الواردة فيها المتعلقة بالجنسية وبالزواج وأغفل التحفظ على مواد اخرى من شأنها أن تؤثر على قوانين الأحوال الشخصية الموجودة في لبنان والتي يصعب المس بها (التحفظ جار على أمثلة وليس على مبادىء ) فهو ، أي المشرع اللبناني ، لم يتحفظ على ما يلي :
-
الفقرة “و” من المادة الثانية من الإتفاقية التي تلزم الموقعة على الإتفاقية على تعديل تشريعاتها الوطنية لإزالة التمييز الموجود بين الرجل والمرأة .
-
المادة الخامسة عشرة من الإتفاقية المذكورة التي تنص على منح الدول الأطراف المرأة المساواة مع الرجل أمام القانون وأهلية قانونية مماثلة لأهليته في الشؤون المدنية ، والفرص عينها لممارسة تلك الأهلية .
-
المبدأ المنصوص عنه في البند الأول من المادة السادسة عشرة الذي يقضي بأن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمورالمتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية ، حيث إقتصر تحفظه على بعض الأمثلة الخاصة بحقوق الزوجة أثناء الزواج وعند فسخه ، وبحقوق الوالدة في ما خصِّ أطفالها والحقوق المتعلقة بالوصاية والولاية .
وبالتالي ، وبالإستناد الى ما تقدم ، يتبين أن التحفظات التي وضعها المشرع اللبناني على الإتفاقية لا تشمل أحكام الإرث التي تدخل في باب العلاقات الأسرية المنصوص عنه في المادة السادسة عشرة من الإتفاقية ، كما لا تشمل وضعية المرأة عند توقيعها كشاهدة على بعض العقود التي تنظر فيها المحاكم الشرعية او المذهبية او الروحية. علماً ، أن بعض هذه الأحكام ، والتي تتعلق بالأحوال الشخصية تتعارض ومبدأ المساواة بين الرجل والمرأة المذكور في الإتفاقية ومن الصعب تعديلها .
لـذلـــك
ترى هذه الهيئة عدم التوقيع على البروتوكول المنوه عنه أعلاه ، وفي مطلق الأحوال إعلان عدم إعتراف الدولة اللبنانية بإختصاص اللجنة بتعيين التحري وعدم أخذ التدابير التي تتخذها هذه اللجنة إستجابة إليه بعين الإعتبار وفق ما جاء في المادة العاشرة من البروتوكول المذكور .
بيــروت ، في 30/1/2002
رئيس هيئة التشريع والإستشارات
في وزارة العدل
القاضـي شكـري صـادر
تعرض هذه الإستشارة على حضرة المدير العام
لوزارة العدل للتفضل بإتخاذ الموقف المناسب
بيــروت / في 30/1/2002
رئيس هيئة التشريع والإستشارات
القاضي شكري صادر
ملحق رقم 4
الجمهورية اللبنانيـة
وزارة الشؤون الإجتماعية
جانب مجلس الوزراء الموقر
الموضوع : البروتوكول الإختياري لإتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة .
المرجع : كتاب أمين عام مجلس الوزراء رقم 1134/م.ص بتاريخ 2/5/2002 ، المرفق
بقرار مجلس الوزراء رقم 23 تاريخ 17/1/2002 وبإستشارة هيئـة التشـريع
والإستشارات رقم 65/2002 تاريخ 30/1/2002 .
إستناداً الى الموضوع والمرجع أعلاه ،
فإن وزارة الشؤون الإجتماعية تتبنى الإستشارة الواردة في مطالعة هيئة التشريع والإستشارات رقم 65/2002 تاريخ 30/1/2002 بشأن التوقيع على البروتوكول الإختياري لإتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، والتي ترى عدم التوقيع على هذا البروتوكول .
وزير الشؤون الإجتماعية
د. أسعد دياب
الفهرس
كلمة التجمع |
2 |
مقدمــة |
6 |
الدراسة الأولى : معاجة العنف المنزلي والوقاية منه في قوانين الأحوال الشخصية للطوائف المسيحية – ماري روز زلزل |
10 |
توطئــة |
13 |
أولاً : العنف القانوني في القوانين المذهبية |
14 |
ثانياً : مسؤولية الدولة |
24 |
ثالثاً : الحلول المقترحة |
30 |
رابعاً : مراجع الدراسة |
37 |
الدراسة الثانية : واقع المرأة في التشريعات المعمول بها لدى الطوائف الإسلامية الثلاث : السنية والشيعية الدرزية – غادة إبراهيم |
40 |
توطئــة |
42 |
أولاً : تعريف العنف |
43 |
ثانياً : أوجه العنف القانوني |
46 |
ثالثاً : دور المحاكم في تجذير العنف القانوني |
57 |
رابعاً : إقتراحات |
62 |
خامساً : المراجع |
65 |
الدراسة الثالثة : دراسة حول الإطار التشريعي لمسألة العنف ضد المرأة في قانون العقوبات ومقارنته بالتشريعات الدولية – ندى خليفة |
66 |
المقدمة |
68 |
أولاً : التشريعات الدولية المتعلقة بالعنف ضد المرأة |
69 |
ثانياً : التشريع اللبناني في مجال مكافحة العنف ضد النساء |
74 |
ثالثاً : في المقترحات |
86 |
رابعاً : المراجع |
89 |
الملاحق : ملحق رقم 1 : جدول يتضمن بعض أحكام الأسرة في عدد من الطوائف . |
92 |
ملحق رقم 2 : دراسة د. وجيه خاطر : تعليق على إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعروضة على الحكومة اللبنانية للإنضمام إليها – 1995 . |
103 |
ملحق رقم 3 : إستشارة القاضي شكري صادر . |
108 |
ملحق رق 4 : البروتوكول . |
111 |
1 الملحق رقم 1 وهو يتضمن جدولاً مقارناً لبعض أحكام الأسرة في عدد من الطوائف.
2 – مراجعة نص التعليق الذي أعده الدكتور وجيه خاطر في الملحق رقم 2.
3 – النص الكامل لاستشارة هيئة التشريع والاستشارات بموضوع التوقيع على البروتوكول الاختياري– ملحق رقم 3.