العدالة لرولا يعقوب: شكوك بالأطباء الشرعيين والمطالبة بالتشريح
بعد أسبوعين على وفاة رولا يعقوب، لا تزال هذه القضية عالقة في زواريب التدخّلات بعمل القضاء. ولكي لا تموت «العدالة»، اجتمع ناشطون وناشطات من المجتمع المدني مع أهل رولا في اعتصام رمزي في ساحة حلبا، وطالبوا بإقرار قانون حماية المرأة من العنف الأسري
يوم توفيت رولا يعقوب بعد تعرضها للضرب المبرّح من قبل زوجها، كشفت صديقة رولا أن ابنة الأخيرة غرايسي ابنة الخمس سنوات كانت قد رسمت صورة استلهمت فيها تعرض أمها للضرب. مرّ أسبوعان على الحادثة ليكشف ذوو الزوج عن رسالة كتبتها كلاديس ابنة الاثني عشر عاماً تَعِد فيها والدتها بأنها ستبقى الأولى في صفها. وإذا كان كل من أهل الزوج والزوجة يتحدث عن ظلم لحق به، فالأكيد أنّ البنات الخمس سيعشن طويلاً تحت صدمة وفاة أمهنّ بعد أن ضُربت حتى الموت، وستُربكهن أكثر صور الأب المتهم بقتل أمهنّ.
ساحة حلبا كانت أمس على موعد مع اعتصام أقامته ناشطات وناشطون من الجمعيات النسائية والحقوقية والمجتمع المدني. «فحول الأمة» من نواب حاليين وسابقين غابوا عن الساحة. لدى كل منهم «مسلة» تنعره تحت إبطه، تجعله يتوجس شراً من سؤال «متطفل» أمام عدسات المصورين. ولدى نواب الأمة أيضاً أزلامهم، أسعفوهم في تقدير حجم الاعتصام، فأدركوا أن لديهم من الزائرين في عطلة نهاية الأسبوع ما يفوق عدد المعتصمين، ولا سيما أن توفير المطالب الخدماتية لزوارهم أسهل لهم لضمان انتخابهم مرّة أخرى.
الخدمات تتضمن تغطية مخالفة هنا، أو جريمة هناك. «ليس مهمّاً نوع الخدمة»، يقول أحد المعتصمين، لن يشغل النواب بالهم في اتخاذ موقف «مع العنف الأسري، أو ضده»، ليس الأمر هكذا، الآن يهمهم تقديم «خدمة» من أي نوع، إذا كانت تستميل مفتاح انتخابي جديد، ولو كان من أصحاب السوابق، لا بأس فلربما كان أكثر قدرة على الإبحار في سوق المتاجرة بشراء الذمم والأصوات في معركة نيابية مقبلة.
ستمضي سنة وأكثر حتى يحين موعد الانتخابات، وإلى ذلك الحين، سيتقلب ملف رولا يعقوب على أكثر من دفة واتجاه، ولا أحد يعلم نهاية هذه الحرب المفتوحة على حقوق «المواطنة»، إلا أن البعض سيحاول أن يظهرها كما لو أنها حرب بين أهل رولا وأهل زوجها، وسيحاول أن يضع حدّاً لها بمصالحة عشائرية. ولعلّ «الأفحل» من بين «نواب الأمة» سيكون شيخ الصلح الأبرز، فلماذا تسويد الوجه في التشريع ضد العنف الأسري أو التغاضي عنه.
كل الذين اجتمعوا في ساحة حلبا أمس لا يراهنون على هؤلاء النواب الفحول. ما دام لسان حال النواب الحاليين والمرشحين الطامحين يكتفي بالشجب والاستنكار من بعيد، ومع ذلك طيف رولا ظل يلاحقهم، ولو من خلال لافتة رفعت باسمها «صمتي قتلني… اصرخوا عني».
ليس هناك نائب يستعجل الإجابة عن سؤال رُفع في الاعتصام، «وين القانون يا نايب يا مصون؟»، وجواباً عن سؤال رفعته الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة «شريعة الغاب أم تشريع القوانين؟»، غاب النواب وأخلوا الساحة للمعتصمين يشرحون فيها آليات شراء الضمائر وتزوير إرادة القضاء؛ فـ«عندما يتكلم الدولار يسكت الشهود»، وأيضاً «عندما يتكلم الدولار يختفي الملف الطبي»، وأيضاً وأيضاً «عندما يتكلم الدولار يصاب الأطباء بالعمى».
الناشطات حضرن لكسر جدار الصمت الذي يخنق معاناة المعنفات، تقول عتيبة المرعبي إحدى مسؤولات التجمع النسائي الديموقراطي، وإن الوقفة التضامنية هي لإقرار قانون حماية المرأة من العنف الأسري، و«لقطع الطريق على اجتهادات بعض الأطباء وعدم اعتبار الضرب سبب الوفاة، بحجة انفجار شريان دماغي»، متسائلة: «ألم يسمع الأطباء بانفجار دماغي نتيجة ضغوط نفسية؟ وهل من ضغط نفسي على المرأة أكثر من تعرضها للضرب؟»، هذا إذا صحت تقارير الطب الشرعي! تختم المرعبي.
تقول الدكتورة نهاد منصور الناشطة في جمعية النجدة الشعبية: «لا يمكن تحديد سبب الوفاة بشكل قطعي إلا بعد التشريح الكامل من قبل أشخاص يحملون شهادة اختصاص في الطب الشرعي، وفي مكان متخصص. لقد درسنا وتعلمنا في بلد لا يدفن فيه أي إنسان دون تشريح كامل حتى لو كانت الوفاة طبيعية… ولطالما اكتُشفت بعد التشريح أمور لم تكن تخطر في بال أحد. أما في الحالات الخلافية، وأمام شبهة القتل، لا يحسم الموضوع إلا التشريح الكامل». وتضيف منصور: «لست بوارد نقد أو دراسة وضع الطب الشرعي في لبنان، هذا بحث آخر له مكانه الذي لا يؤدي العلم الدور الوحيد فيه، بل السياسة والطائفية أيضاً، ككل شيء في هذا البلد».
ولدى سؤال الطبيب حبيب الشيخ، الاختصاصي في جراحة العظم في الموضوع، يهز برأسه، ويقول: «ألا تعرفون كيف يُنتقى الأطباء الشرعيون؟»
محامي العائلة ريمون يعقوب، أشار إلى أنه تقدم بطلب يطعن فيه بتقارير الأطباء الشرعيين، مطالباً بإعادة تشريح الجثة، بحضور أطباء مختصين بالطب الشرعي، وفي مركز خاص بالتشريح.
وعن النتائج المأمولة من التحرك الاحتجاجي في حلبا يشير الناشط في المركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الأسمر، إلى صعوبات جمّة أبرزها «كسل» النواب؛ فالمجلس النيابي لم يصدر قانوناً واحداً منذ سنتين، فكيف سيصوّت 128 نائباً غالبيتهم الساحقة من الذكور ويحملون ثقافة «الفحول الطائفية» لقانون حماية المرأة، وكيف سيواجه نواب منتخبون بقوانين طائفية سلطة رجال الدين؟ والأدهى من ذلك يتساءل الأسمر عن تطبيق القوانين المرعية الإجراء، واستطراداً في قضية رولا، يستغرب كيف يسمح القضاء بإبقاء الأولاد بعهدة والدهم، بينما هو متهم بالتسبب بوفاة أمهم، علماً بأن الراشد يمكن أن يغير إفادته إن كان عرضة للضغوط.
دخلت قضية رولا في مرحلة استقطاب سياسي – طائفي، قد يجد من المناخات الطائفية التقليدية أرضية خصبة لينمو ويترعرع. يقول مواطن من قرية كفرحرة (بلدة الزوج) فؤاد البازي، وهو وجيه البلدة وأكبر معمر فيها، إن «أهل رولا تلقّوا مساندة لأخذ جثتها عنوة ودفنها في حلبا غصباً عنا»، علماً ـ يستدرك البازي ـ بأن تعرّض رولا للضرب أمر مستهجن ومرفوض من جانبنا. وقد عبّر البازي عن حزنه العميق لما حلّ بالمغدورة التي «لها في قلوبنا كل المحبة»، مؤكداً أنه لو كانت العائلة أو أي من أبناء بلدة كفرحرة على علم بما تعرضت له رولا من ضرب، لما سمحت بذلك. ويرى غسان يعقوب، أحد أقارب الزوج، أن أكرم البازي تحول إلى كبش محرقة في معركة إقرار قانون حماية المرأة من العنف، مؤكداً أنه كان يتمنى أن يكون بين المحتجين على عدم إقرار القانون؛ إذ «أيعقل أن نكون نحن مع تعنيف المرأة؟».
اعتصام حلبا أمس كان بمثابة حلقة من مسلسل تحرّكات يهدف إلى إقرار قانون حماية المرأة من العنف الأسري، الذي سيناقش في مجلس النواب، إذا انعقد طبعاً. ولكن هناك صرخة واحدة كان لها معانٍ كثيرة، صرخة والدة رولا عندما قالت: «نريد العدالة فقط».
المصدر: روبير عبد الله، الاخبار
مشاركة التجمّع النسائيّ الديمقراطيّ في لقاءات تنسيقيّة لتعزيز معايير الحماية الآمنة للنساء والفتيات الناجيات من العنف
بدعوة من الهيئة الوطنيّة لشؤون المرأة اللبنانيٌة، شارك التجمّع النسائيّ الديمقراطيّ اللبنا…